«سناب شات».. أم الجاحظ
عمرو بن بحر بن فزارة المعروف بالجاحظ، الذي ولد في البصرة ومات فيها ما بين 159 - 255 هجرية. من كبار أدباء العصر العباسي.
الجاحظ كان دميما جدا، وقبيحا جدا، وذا بشرة سوداء قانية.. في صغره رغب أن يكون مغنيا! ولكن أمه كانت ذكية جدا، فقالت له: إن جمال صوته.. لن يشفع له أمام قبح صورته! ولا سيما أن صوته لم يكن بالمقدار الذي يغيب قبح صورة مصدره! وقالت له إن أفضل شيء ينسجم مع حاله هو أن يكون عالما كاتبا.. لأن الكتاب الجميل، والقلم الجميل.. لا يتطلب الناس صورة الكاتب.. وإن كان كالجاحظ الذي سرد وروى عن نفسه أن عددا غير قليل من النساء.. كن يطلبن حضوره لتخويف أطفالهن المتردين! وفعلا تحول الجاحظ إلى دودة كتب، وبات يتعامل مع العلم بوصفه آخر قارب نجاة بعده الرسوب إلى قاع جديد من العوز والفقر، ومهانة الطلب. حتى أصبح واحدا من أربعة علماء هم أعمدة الأدب وفنون الكتابة وأصولها.. بحسب رأي ابن خلدون.
كان العلم ضرورة حياة لكثيرين، وكان التفوق فيه، واحدا من خيارات البقاء، وسببا من أسباب الحياة، وكان الثمن باهظا جدا، والوقت طويلا، والصبر ممضا، لأنه هو السبيل الوحيد الذي يرفع قدره، ويرفع فقره وشدة عوزه!
لم يكن ”سناب شات“ متاحا إلى أم الجاحظ، وإلا لم يحتج الجاحظ تلك الأحمال الثقيلة من الصبر، والمجاهدة، والجوع، لسنوات طويلة متصلة.. حتى أصبح ذا مكانة بين العلماء.. والأدباء.. والكتاب!
فحتى - غرف العمليات - وأثناء جراحة القلب، كان بعض المشاهير في هذا البرنامج جزءا من الجراحين والطبيبات! ووظيفتهم كما في كل مرة وهي فقط التصوير.. والتعليق بكلام لا معنى محدد له! وهناك عشرات آلاف من المتابعين ستكون وظيفتهم المشاهدة فقط.. والتعليق بكلام فارغ مماثل لا معنى له.. لينتهي المشهد الأخير بقبض هذا المشهور عشرات الآلاف عن كل مكان يوافق على التصوير فيه.. والحضور إليه.. حيث يستحيل غالبا أن يكون هذا أو ذاك مجانا ودون مقابل.. ويخرج وهو ينوء بحمل الهدايا والهبات الكريمة التي ينالها من الجميع!
فحتى الجامعات العلمية التي يفترض فيها تكريم العلم والعلماء خاصة، باتت تدفع بسخاء منقطع النظير، وبما تشح به على كبار العلماء من ضيوفها إلى أشخاص كل ما يبرر استضافتهم هو أنهم لديهم عدد كبير من المتابعين.. ولا يهم إن كانوا بمستواهم العقلي نفسه، وطبقتهم في درجة التعليم والمعرفة!
أظن - بعد اعتذاري الصادق للجميع - أننا نرغب على الدوام فيما نحن بحاجة إليه، وأن الذي نحتاج إليه الآن هو تعزيز قيمة المعرفة، ورفع قيمة العلماء، وجعلهم النموذج، والمثال، والقدوة.. هم الأكثر نبوغا وتميزا وتفوقا في المعرفة.. والقدرة على تحسين حياة الناس. أن نجعل فضيلة كل عمل هو بمقدار ما ينطوي عليه من خير للمصلحة العامة، ومساعدة كل من هو بحاجة إلى المساعدة.
ولهذا أعد من قام بمثل هذه التصرفات، قد خذل ثقتنا في حسن تقديره للأمور، كما خيب حسن ظننا في عقله ونضجه.. فكثير غيري سيرى ما أرى.. أننا لن نستطيع أن نطلب منكم مواقف أكثر مما ترتفع إليه عقولكم.. وليس بوسعنا أن نؤمل الكثير من عميد جامعة يدفع مبالغ هائلة لشهيرة في ”سناب شات“.. لتستقطع وقت محاضرة كاملة عن طلاب الطب لتروي تجربة الملايين التي يحققها ”سناب شات“ لها وهي تحمل شهادة الثانوية العامة أدبي بدرجة مقبول!
ولهذا تمنيت من كل قلبي لو كان لأم الجاحظ ”سناب شات“.. ينثر عليها وعلى ابنها الصغير الملايين.. دون أثمان العلم الباهظة وأثقالها، فقد انتهى زمن إما أن تكون عالما وإما تعيش جائعا! فيكفي أن تكون مشهورا في ”سناب شات“!