آخر تحديث: 31 / 10 / 2024م - 11:58 م

أقوى الشركات ليست أفضلها حتماً

ناصر موسى الحسين صحيفة الوسيل القطرية

يتردد القول دائماً بأن الفقراء هم أكثر من يتصدقون من حيث العدد، قياساً لأعداد الأثرياء، وأكثر أيضاً بحجم الصدقات كنسبة مئوية مما يمتلكون قياساً أيضاً لما يمتلكه الأثرياء. هذا القول لا يمكن الأخذ به على عواهنه. فالصدقات تكتسي غالباً بالستر، ومن الصعب قياسها. ولكن هناك إحصاءات تتعلق بالمسؤولية الاجتماعية للشركات ربما - أقول ربما - تكشف عن التقصير الذي ابتليت به الشركات الموسرة، التي تحقق الكثير من الأرباح من جيب وعلى ظهر المجتمعات والبيئة التي تنتمي إليها.

يعد مفهوم ”المسؤولية الاجتماعية“ حديث الظهور في العالم العربي، وقد سبقنا الغرب كثيراً إلى التنظير والتطبيق لهذا المفهوم. من جانب التعريف فإن المجلس التجاري الدولي للتطوير قدم تعريفا على أنه ”مجموعة التصرفات الأخلاقية التي تقوم بها الشركة اتجاه المجتمع الذي تنشط فيه لتحسين جودة الحياة للعمال وعائلاتهم والمجتمع ككل“.

لا شك أن دول المجلس - على مستوى القطاعين العام والخاص - قامت بمبادرات من أجل نشر ثقافة المسؤولية الإجتماعية في الوسط الإقتصادي عبر مشروع الحوكمة، لكنها ما تزال مبادرات أولية تحتاج إلى الكثير من الجهود من أجل زيادة رقعتها وترسيخ مفهومها. لن نتحدث عن مقارنات بين ما أنجزته دول المجلس على هذا الصعيد وما أنجزته دول أخرى من غير العالم الثالث، لأنها ستكون مقارنة مخجلة.

المسؤولية الاجتماعية هي إحدى المعايير المهمة التي ينبغي أن يبنى تقييم الشركات على أساسها، وتعطى بناءً عليها الامتيازات والأفضلية، بغض النظر عن حجم الأرباح التي تحققها هذه الشركات، فالأرقام التي سترد بعد قليل هي لمجرد الإسترشاد، وللمساعدة في التنبؤ بحجم المساهمات التي يتوقع أن تدخل حيز برامج الدعم الاجتماعي، إذا ما قمنا بتحديد نسبة معينة من الأرباح كمخصصات لبرامج المسؤولية الاجتماعية.

لو افترضنا أن شركات القطاع الخاص في العالم العربي خصصت نسبة «5%» من أرباحها كجزء من التزاماتها تجاه المجتمع، لكانت قد أسهمت في حل كثير من مشاكل البطالة، ولأنجزت الكثير في حقل التنمية الاجتماعية، أو لاستطاعت أن تؤوي الكثير ممن لا يمتلكون المنازل، أو لأوجدت أسرّة لعلاج الكثيرين ممن يموتون دون أن يجدوا سريراً في مستشفى.

تقرير ”أقوى الشركات العربية في العالم العربي لعام 2015“ الذي أصدرته مجلة ”فورس الشرق الأوسط“، احتوى قائمة أقوى الشركات العربية في العالم العربي بناء على أربعة معايير تم على أساسها اختيار وترتيب الشركات الفائزة بوصف الشركات الأقوى، هذه المعايير هي: الإيرادات، صافي الأرباح، الأصول، القيمة السوقية.

تصدرت القائمة ثلاث شركات من السعودية، وواحدة من الإمارات وبنك واحد من قطر. وهي شركات قوية بكل تأكيد إذا ما نظرنا إليها من خلال المعايير الأربعة. فالقيمة السوقية لها بلغت حوالى 191، 627 مليار دولار، أما صافي أرباحها فحوالى 136 مليار دولار. لكنها - أي هذه الشركات - كانت غائبة في قائمة أخرى كانت ”فوربس“ قد أصدرتها.

القائمة الأخرى، التي لم تتضمن هذه الشركات ضمن الأبرز أو الأقوى، هي قائمة الشركات الأكثر تأثيراً في العالم العربي، ولها معايير أخرى تتعلق بإسهاماتها في ”نهضة المجتمع وتنميته، بتوفير فرص عمل، ودعمها لنشاطات الأعمال الخيرية وبرامج المسؤولية الاجتماعية“.

شركات العالم العربي تمتلك الكثير مما يؤهلها لممارسة دور على صعيد المسؤولية الاجتماعية، فقيمتها السوقية بلغت العام الماضي 947 مليار دولار، وحققت إيرادات إجمالية بقيمة 348 مليار دولار، وارتفع صافي أرباحها إلى أكثر من 70 مليار دولار، ولو قمنا بعملية حسابية للمخصص «5%» من هذه الأرباح من أجل المسؤولية الاجتماعية فإن ذلك يعني 1.4 مليار دولار، وهي لا شك غير كافية لحل أزمات العالم العربي، لكنها بكل تأكيد قادرة على تخفيف العبء عن الحكومات، وتساعد على حل الكثير من الأزمات الملحّة، خاصة في مجال الصحة والتعليم والبيئة.

جماع القول: تعدّ المسؤولية الاجتماعية للشركات من القضايا المهمة لتحقيق التنمية المستدامة بأعمدتها الثلاثة «النمو الاقتصادي، التقدم الاجتماعي، حماية البيئة».