في طريقي إليكَ رسمتكَ كرذاذِ المطرِ وسكونِ المساء
عندما ينمو الحب، تغدق الحياة علينا بالسعادة والفرح والسرور. لكن حين يحل البغض تمطر حقدا وحزنا. هكذا هي الحقيقية الكونية التي لا مجال لتجاوزها. وقد تناول الكثير من الادباء على مر الحقب الزمية تلك الهواجس الحياتية.. جمالا وقبحا.. مدحا.. وذما.
لكن هنا في مساحة الشاعرة السعودية نازك الخنيزي، طوفان من مشاعر الحب حملها لنا ديوانها ”الفردوس الأزرق“. هذا العنوان حُلم اخر للمحبين بأن الحياة عطاء لا ينضب ولا تكتمل بدون الحب الحقيقي.
وانا اقول إن القيم السماوية أرسلت لنا هذا الكائن الاسطوري الحب؛ ليطهر الأرض ومن فيها من براكين التلوث الانساني السلبي، فلولاها لعم الشر وكبرت الرذيلة.. وها هي الشاعرة نازك في نصها كتاب الحب، ترسل إشارات لهذا المعنى السماوي للحب.
”لَعمري أنتَ كنسائمِ الربيعِ تَهُزُّني على أصابعِ الناي تُغرِّدُ لوقتٍ قادمٍ.. إلى مُدنِ السلامِ تعودُ سفينتي لعمري أنت سهلكَ صعبٌ.. كالماءِ كالأشواقِ نبضكَ كعمقِ مشاعري تنثرُ سحراً يَضمُّ عبيرَ الفجرِ في دربِ السنين كالمستحيلِ.. تزرع ُفي طينِ الشمسِ ورداً“.
وهي بلا شك تعرف الوظيفية الالهية لهذا الكائن الازلي في الحياة ودوره التكوني في السلوك البشري:
بسملةٌ في أوردتي تُسَبِّح ُوخلفَ كواليسِ الضوءِ ارتعاشةُ أناملِكَ تتناغمُ في غنجٍ تناغي الأرجوان سراً تغسلُ وجهَ الأرضِ ألفَ مرة.
نعم من خلال الحب تعيش الانسانية كل معاني التعايش الايجابي. من خلال تبادل المشاعر النقية وتوفر نية الإخلاص. طرق الحب جميعها بلا استثناء. غايتها ووسيلتها متطابقة. فالغاية نبيلة اذا الوسيلة ايضا يجب ان تكون شريفة. لا أغراض مسبقة لها. ولا وسائل مبهمه ولا طرق غير مشروعة للوصول اليه. تقول الخنيزي:
في طريقي إليكَ رسمتكَ كرذاذِ المطرِ وسكونِ المساء. دثَّرتُكَ بينَ أضلعي كرؤى الحياةِ. رسمتُكَ كلوحةِ عشقٍ سريالية كمراسيمِ صلواتٍ فتية.
هنا الحب علاقة روحية مهذبة تتخللها أعذب وأرق الاحاسيس. وأجمل المشاعر. فلا صوت يعلو على ذروة همسه صافية. ولا على إشارات القلب حين يبعث وهج الشوق ولهيب العشق. فالطريق هنا معبد بالخضرة، والوجوه الحسنة.
في طريقي إليكَ تغنجتُ كعروسٍ شرقيةٍ.. رسمتُ بأحمرَ الشفاةِ آلافَ الورودِ
ثم تكمل الحديث: في طريقي إليكَ، تحتَ جنحِ الظلامِ سالَ حرفي عبيراً من نورٍ رميتُ تقاويمَ الزمنِ هرولتُ إلى..
ما زلنا نتتبع مسار الشاعرة نازك الخنيزي، والتي تضمنت بشكل مبسط المزيد من الافكار والرؤى والتأملات التي حملتها نيابة عن الحب. هناك خصوبة في الاسلوب وجزالة في المعاني وهذا يعود للبيئة التي جعلت من أحاسيسها تنطلق من تاريخ وتراث كبير. فالعشق العذري مكانه هناك عند صحراء بني عامر حيث قصتهما المشهورة من خلال الحب الذي جعل من قيس مجنونا وليلى تحت التراب.
نرى هنا في هذا المنجز أن الشاعرة اهتمت بشكل كبير بموضوع الإيقاع والتركيب النسيجي للنصوص بحيث ظهر لنا رصينا راقيا.