سلامُنا الداخلي
إذا كان السلام الداخلي هو الضالة التي يبحث عنها الجميع فالأمر ليس بذلك التعقيد، لأن السلام قريب منا كقرب النفس من الجسد. إذن كيف لهذا السلام الداخلي والذي يُفترض أن يغمرنا في كل لحظة من حياتنا، صار بعيدًا عنا حتى أصبح الواحد منا يتمنى لو أن يُنفق أغلى ما لديه ليسترجعه! نعم، بدون السلام الداخلي لم تعد الحياة حياة بعد أن فقدت لونها وطعمها وتحولت إلى جحيم لا تطاق والعياذ بالله.
السلام الداخلي استحقاقٌ مشروع لكل فرد، إلا أن الناس بتصرفاتهم الغير مسئولة وعدم احترامهم لذواتهم، تراهم يلتصقون بكل ما يعكر صفو ذلك السلام. وبعلم أو دون علم يُصرون على مواقفهم وإن وصل الضرر بهم إلى حد المرض، وهذا يُعتبر قمة الظلم للنفس البشرية وجلدٌ للذات دون ذنب أو خطيئة قد اقترفته.
العفو عن الآخرين ممن أخطئوا في حقنا أمرٌ حميد نُثاب على فعله وإن كنّا نعلم جازمين بأن المخطئين ليسوا بأي حال في موقع الاستحقاق لذلك العفو، إلا أننا نقوم بهذا العمل من باب حاجتنا للسلام الداخلي. نحن أيضًا من خلال هذا الإجراء نكون قد كسبنا راحةً نفسية وقطعنا الطريق على الآخرين ممن يحملون سُلوكًا استفزازيًا يسعون من خلاله أن يسرقوا منا طمأنينتنا وسلامنا. هذا بطبع الحال لا يدعونا للتفكير ولو للحظة بأننا قد فقدنا شيئا من قيمتنا، بل أيقظنا جذوة الحب في قلوبنا وهي مفتاح السلام القادر على حلحلة الكثير من الصعاب للوصول إلى حياة متوازنة.
علينا أن نُدرب عقولنا على معالجة أمور الحياة على فطرتها، لا كما تهوى أنفسنا. علينا أن نُسَلّم بالحاضر وأن نترك الماضي جانبًا ونتحلى بإيمان راسخ بأن المستقبل يُخبّئ لنا الكثير من الخير. تجاهلنا للكثير من الأشياء من حولنا قد يكون السبيل الأنجع والأسرع للوصول إلى مرفأ السلام الذي ننشده. علينا أن ندخل في صلح مع ماضينا حتى لا يُفسدُ علينا حاضرنا وأن نأخذ بحقيقة أن الوقت كفيل بأن يُعالج جروح الماضي.
لا الإيمان بالسلام وحده كافٍ ولا الحديث عنه يجعله واقعًا ملموسًا، إذا لم نجعل من ذلك السلام عُنصرًا أساسيًّا في تعاملاتنا بمجملها، صغيرها وكبيرها. قد ينتابك الذهول والاستغراب من استهداف الآخرين لطمأنينتك وسلامك، لكن هذا لن يغير من الأمر شيئًا إذا لم تتوفر لديك الإرادة الصلبة والعزيمة لفك رموز تلك المعضلة ورسم الحلول والاستراتيجيات الكفيلة بوضع حد لذلك التردي والانحدار في التعاملات. هذا من شأنه أن يُرسّخ أطر المحبة والسلام في جميع زوايا وأطناب حياتك وأن تبدأ بنفسك أولًا. الكثير من البشر اليوم بحاجة إلى من يدخل إلى عقولهم وتنظيم أفكارهم، بعد أن بات الأمر حرجًا وقبل أن تنفلت تلك الأفكار على شكل قذائف من الكلمات الغير مسئولة لتصيب أبرياء ليس لهم في الأمر ناقةً ولا جمل.
لنكن أصحاب ذوق رفيع في اختيار مفرداتنا ولنستبدل تلك السلبية منها بأخرى إيجابية قادرة على جذب السلام والمحبة للقلوب، لا لتعكيرها وتنافرها. أعمالنا الجريئة والتي تصب في خلق بيئة صالحة للعيش تتوفر فيها عناصر السلام والحب لكفيلة بأن تخلق واقعًا جديدًا يعُمُه الخير وتتكاتف فيه الأيدي لبناء إنسان جدير بالحياة ينعم بسلام داخلي فيّاض ينشر أريجه في الفضاء الرحب ليُعم أرجاء المعمورة.