آخر تحديث: 23 / 11 / 2024م - 12:36 ص

أولوية الأمن.. والوقوع في الفخ..!!

حبيب محمود * صحيفة الشرق

أولوية الأمن.. والوقوع في الفخ..!!

لن أقول للسعوديين الشيعة «لقد وقعتمْ في الفخ»، بل سأقول «لقد وقعنا في الفخ»، ليس لأن جذوري شيعية، بل لأنني مواطن سعودي، وهم مواطنون سعوديون. والفخّ الذي وقعنا فيه هو الوهم «الحقوقي» الذي حُضِّر للشعوب العربية ليكون أداةً ل «ربيع» أُريدَ منه إدخال تعديلاتٍ على نُظم الحكم «الجمهورية» حصراً.

موجة «الربيع» كانت عارمة بما يكفي لبناء تصورات مستقبلية مفرطة في رومانسيتها الحقوقية والقانونية. إلا أن أحداث «الربيع» لم تكن وحدها المتداعية في الأقطار العربية. ثمة لاعبون كُثرٌ يعنيهم أن يؤسسوا مكاسب جديدة. الفخّ الذي وقعت فيه بعض الشعوب العربية هو أنهم كانوا يتظاهرون من أجل «حلّ مشاكل» سياسية تعنيهم، فإذا بهم يواجهون «معضلاتٍ أمنيةً» لم يضعوها ضمن توقّعاتهم.

بعضهم واجه معضلاتِ أمنٍ بينيةً داخل نطاق الشعب، كما هو حال تونس ومصر واليمن. ولكنّ بعضهم اختبرَ ارتجاجاً أمنياً عبر جالياتٍ آتية من بلاد أخرى، كما هو الشأن الليبي والسوري. وبعضهم واجه المُشكل الأمني ضمن إطار النظام القائم، كما هو حال البحرين، الوهم الحقوقيّ، كان أكبر من أن يُتعاطى معه خارج الرؤية الأمنية للدولة. خاصةً أنه تزامن مع تحركات غير جادة في مناطق سعودية أخرى. وهكذا وجد الشيعة السعوديون أنفسهم وحدهم، حتى بعد انكشاف خداع الربيع العربيّ، وظهور بوادر فرص للمراجعة. خرجت الأمور عن منطقة التحكم لأسباب مختلفة، لكنّ المجتمع انتبه إلى حجم الفاتورة الباهظة التي سوف يدفعها جرّاء استمرار الأحداث المؤسفة.

الفخُّ هو سوء تقدير المآلات، من قبل من استهوتهم اللعبة التي بدأت «حقوقية» وانتهت «أمنية». من قِبَل من ظنّوا أن الدولة تواجههم وحدهم، ولم ينتبهوا إلى أن الملفّ الأمنيّ لديها متضخّم وساخن منذ 1996 في أقلّ التقديرات، وأنّ هذا الملفّ احتلّ أولوية قصوى منذ أحداث 11 سبتمبر، مروراً بسلسلة عمليات إرهابية نجح بعضها وضُرب بعضها بكلّ إمكانات الدولة استخبارياً وعسكرياً.

آلَ الفخُّ إلى ما هو أسوأ، حين أُضيفت أحداث القطيف التي كانت توصف أمنياً وقضائياً ب «أحداث شغب» إلى ملفّ «الإرهاب» قبل أربع سنوات. هكذا توسّع الشقّ وتعقّدت المعالجة، وتضخّم الملفّ أكثر.

من كان يظنّ أن الدولة لديها مُتّسعٌ للمستخفّين بالشأن الأمني؛ فإن عليه أن يُراجع قراءة الأمور. الخطوط الحرجة كثيرة، والحرب على الإرهاب بلا أوراق خفية. ولا مجال لتلوين الأوضاع على أيّ نحوٍ من التفسيرات القاصرة. لا مجال لمناقشة تفاصيل صغيرة وسط تهديدات جدّية يمكن أن تؤذي الأمن على مستوى الوطن كله، وليس على مستوى إقليم أو منطقة.

الأحداث التي تقع قريباً منا؛ تشير فيما تُشير إلى أن اللعبة مُحرَّكة بأيادٍ مختلفة تتوافق على هدفٍ واحد، هو ألا يأمن أبٌ على أبنائه، ولا صاحب بقالة على مشروعه. والمتواطئون على هذا الهدف يشغلهم أن يشمل الاختلال الأمني كلّ الوطن، كل الوطن، من أقصاه إلى أقصاه.

من كان يظنّ أن الدولة لديها أناةٌ حتى يتحقّق هذا الهدف؛ فهو مغشوشٌ. وفق المؤشرات؛ فإن الدولة تستبق استباقاً، وتنفّذ معالجاتها على الرؤية التي تجدها ناجعةً، وتعدّ العدة لأية مواجهة محتملة.

المسؤولية مضاعفة علينا آباءً وأمّهاتٍ، أفراداً وجماعات، مواطنين ومؤسسات. مستقبلنا جميعاً يتأسّس على الأمن. إذا فقدنا الأمن؛ فقدنا كلّ شيء.

وهنا؛ لا بدّ من المراجعة، لا بدّ من البحث عن مخرجٍ من هذا الفخّ. ولا عيب في مراجعة عقل. أمن الوطن كله في خطر، لا أمننا وحدنا.

حفظ الله وطننا جميعاً من كلّ سوء.