محاولة اغتيال المهندس
كان في طريقه لحضور اجتماع يعنى بهموم المجتمع ليتفاجأ باعتراض سيارة كابرس طريقه. وبسرعة فتح الباب وخرج منها ملثم تبدو عليه آثار الإجرام والعنف، وطلب منه الترجل من السيارة.
وهنا اتذكر اول لقاء بيننا قبل 37 عاماً وبالتحديد سنة 1980م حيث كنّا في طابورين مختلفين يحدد كل منهما عارضات من الفولاذ لضبط ”السرى“ في مطعم الطلاب بجامعة البترول والمعادن «آنذاك». كان طابور المهندس شبه متعطل على عكس الطابور الذي كنت أقف فيه حيث كان يسير بسرعة تفوق قطار الدمام - الرياض. يومها قرر المهندس ان ”يغير السرى“ وحاول الانتقال الى ”طابوري“. ولسوء حظه انه ”نقز“ أمامي واستأذن بكل أدب: ممكن؟!
مشيرا الى المكان أمامي مباشرة في الطابور، بمعنى ”ممكن أجي قدامك؟“.
”لا“ قلتها مع انها خلاف طبعي وعادتي في التسامح لكن ربما عذري انه سبقه العديد ممن نط أمامنا في الطابور قبله وكان هو الضحية. كانت صدمة لي قبل ان تكون صدمة للمهندس الذي لم يكن يتوقع هذا الرد. حينها بدا عليه الخجل وأخذ يتأسف ورجع الى طابوره المعطل كطريق الملك فهد ساعة خروج الموظفين من أعمالهم. يشهد الله أني نسيت الموقف لكنه ذكرني به حين التقينا بعد التخرج والافتراق لسنين عدة. هذا الموقف العابر كان نقطة تحول في سلوك كلينا وأثر في رسم شخصية المهندس بشكل خاص كما روى حينها حيث تعلم درسا في الانضباط واحترام القوانين والصبر في سبيل الوصول للهدف. كل هذا لأنه لديه القابلية والاستعداد للتغيير. ولو كان غيره فربما مر عليه الموقف دون اكتراث او مبالاة.
بعد روايته للحادث وكيف أثر على حياته، تأثرت كثيرا وبعدها عاهدت نفسي ان أراعي الاخر بالتسامح وان كان على حساب راحتي ومصلحتي الشخصية.
نعود للحادث حيث المهندس نبيه البراهيم لم يلب طلب المجرم لأنه يعلم نيته اختطافه والله يعلم ما بعدها، فجميعنا لازلنا نذكر حادثة اختطاف الشيخ الجيراني والذي لا يعلم الا الله وضعه وكيفية معاملة هؤلاء المجرمين الخارجين عن القانون له، ونسأل الله له الفرج العاجل.
حينها، وعندما لم يتمكن المجرم من فتح باب سيارة المهندس، صوب السلاح نحوه وأطلق رصاصة في محاولة لتصفية الحقيقة وإسكات صوت العقل وإزهاق روح الشرف. شاء الله ان تنحرف الرصاصة بعد ان كسرت زجاج نافذة سيارة المهندس ولامست ظهره. وفي محاولة يائسة عاود المجرم الكرة مع مقاومة المهندس لتنطلق الرصاصة مستهدفة ركبته بدأ بعدها بالنزف. لم يكن امام المهندس خيار سوى الانطلاق بالسيارة الى ان وصل الى بر الأمان وتم إسعافه الى مستشفى القطيف المركزي.
كان الاهتمام من ولاة الامر بشكل ملحوظ حيث تابع ولي العهد الحادث بشكل شخصي حينما حاول التواصل مع المهندس بعد نقله لمستشفى قوى الأمن الداخلي. ليس غريبا هذا الاهتمام فالمهندس هو مثال للمواطن الذي يحمل هموم الوطن والمجتمع من خلال عمله في المجلس البلدي ومن خلال مبادراته الاجتماعية ومشاريعه التنموية. عرف عنه ان يصدح بالحق وان خالف رأي الشارع حيث يأبى ان يكون إمعة يركب تيار الغوغائية. ومع علمه انه بهذا يضع نفسه في مواجهة مع المجرمين المسلحين من عصابات المافيا وتجار السلاح والمخدرات والذين استغلوا وضع العوامية كملاذ شبه آمن لهم. كما استغلوا ما يسمى بالحراك الذي بدأ بمطالب حقوقية بشكل سلمي لكنه تحول للعنف بعد ان اندسوا فيه. ولهذا تعرض المهندس وعائلته للتهديد أكثر من مرة وتمت مهاجمته ومحاولة اغتياله سابقا. كما تطاولت يد الإجرام على ممتلكاته بإحراق بيته وسياراته وغيره من الاعتداءات التي كانت دخيلة على مجتمعنا المسالم.
محاولة الاغتيال الاخيرة سبقها تجييش ضد المهندس وهجوم عليه في مواقع التواصل الاجتماعي «وبالخصوص تويتر» وصلت للتهديد بعد ان تم حشو الاعلام بمعلومات مغلوطة حول دوره في نزع ملكيات سكان مسورة العوامية وقطع الكهرباء عنها، وطبعا كل هذه اتهامات عارية عن الصحة وبعيدة كل البعد عن الحقيقة.
وجود السلاح بين أيدي سفهاء لا يقيمون وزنا لحياة إنسان فضلا عن كرامته يعد أمرا دخيلا على مجتمع القطيف ويرفضه كل المجتمع بأطيافه. العنف لا يولد الا العنف ولا يمكن حل اي مشكلة من خلاله حتى وان كانت مسألة اعتداء جسدي. فما بالك ان كان الخلاف في الرأي!
#محاولة_اغتيال_نبيه_البراهيم منعطف خطير وتحول لمجابهة الكلمة بالرصاص من أجل اسكات كل صوت شريف ينادي لصالح اللحمة الوطنية ويقدم مصلحة الوطن. وهنا تقع المسؤولية على الجميع وفي مقدمتهم وجهاء المنطقة الذين ”يتسابقون“ في كل مناسبة ليصبحوا واجهة تمثل البلد. هنا جاء دوركم والمسؤولية كبيرة ولكنكم أهلا لتحملها. المطلوب التحرك قبل ان نغرق في حمام دم العنف والعنف المضاد.