«بسكويت» وحليب النوق
أن ترجع للأصالة ولغة الصحراء النقية، ترشف القهوة العربية، أن تكون صادقًا مع كل معطياتك، مستشرفًا الماضي، تغازل خطوات النوق، تغسل فردة ”التمر“ برغوة حليب النوق، في حالة اشتهاء، لتمزجها بحداثية الواقع، مرورًا بتطلعات المستقبل. الصحراء وسكانها، ثقافتهم وبيئته الحياة. هذا ما خالجني كقارئ، حين سقطت عيناي وذائقتي، على مقال الكاتبة والإعلامية نداء آل سيف، الذي جاء بعنوان: حينما يتحول الصحفي إلى ”ساعي بريد“، مغربلة ثقافة أسلوب إعلامي في وجهته، كصحافي - محرر -، وكيفية أن تكون مادته الإعلامية متميزة زاوية وموضوعًا، مبتعدًا كل البعد، ليشغل مهنة ”ساعي بريد“، مهمته أن يركب دراجته الهوائية، ليوصلها إلى الآخرين، لتؤكد ”سخافة“، هذا المسلك المتنافي مع المهنية، الذي يقضي على الإبداع والتميز، والحضور الواثق.
كذلك، في استفحال أحرفها ترفض الأسلوب التلقيني - الكتابي -، الذي تتبعه بعض المنتديات والفعاليات، بحيث تكون المادة الإعلامية تصب في أذني الصحافي، ليتم نشرها في المواقع الإعلامية، لتحمل ذاتية الصياغة والموضوع، إلا من رتوش، كتغيير عنوان أو تقديم وتأخير، أشبه ما يكون بتقديم الخبر على المبتدأ، لتمويه القارئ وبث الجملة معنًا، له ناحية شعورية وبصرية. إن الصحافي له عينان ذواقتان، في حبل ارتباطها مع العقل، وإعمال التفكير، يصنع مادة إعلامية، ترقى لأن يقتطع المتلقي من وقته، ليقرأ، وعليه فإنه - الصحافي -، إذا ما اكتفى، سعيًا بأن يكون ”ساعي بريد“، لن يقدم ما يستحق التقديم، إلا بكونه ”صحافي كم“ لا ”صحافي كيف“، وما بين الكم والكيف، صناعة ينبغي أن تكون. نعم، إن المنتديات والفعاليات عادة تكون لديها لجنة إعلامية، تقوم بكتابة المادة، هدفًا في ضمان نشرها كما تريد هي، لا كما يريده الصحافي، وهذا - لربما -، يكون منطقيًا نوعًا ما في أخبار العلاقات العامة، لا في المنتديات والفعاليات وأخبار المحليات والأدبيات. إن هكذا أسلوب إعلامي، لن يبرز الفعالية أو ما يقدمه المنتدى أو الأخبار بألوانها المختلفة، تقديمًا نوعيًا، لتوضع المادة الإعلامية في شقة لا تتعدى حدودها ولغتها، وهذا إن صح القول، فإنه فشل وقصور نظر إعلامي، بوضع الصحافي في موضع يقيد عقله ويراعه، ليغمض نظرته في تعاطيه مع المادة.
لا أعلم حقيقة، كيف لهذا الأسلوب أن يطور من أدواتنا، أن يبرز الفعاليات في شكلها الرائع والراقي، لتحترم عقلية المتلقي، لتفتح له نوافذ القراء الشغوفة، لا أن تجعله يتبلد من التكرار المفرط، ليستزيد فقط من تغيير الأسماء في المادة أو العنوان والتقديم والتأخير. ما ينبغي أن يكون، أنه من حق المنتديات والفعاليات كتابة أخبارها ولكن ليس من حقها استخدم الصحافي ”ساعي بريد“. لذا المادة من قبلهم تكون مصدرًا وليس هدف نشر، وعليه فإن الصحافي، يمارس مهنته، ليكتب هو، لا ينقل، رغبة في مادة تقدر المنتديات وتحترمها، تبرز قيمة الفعاليات - إلى آخر القائمة -، لتدعه يرسم لوحته الإعلامية، كما يراها هو لا كما يراها القائمون على الفعاليات والمنتديات، يقول الشاعر نزار قباني: إن القصيدة حين تكون في داخلك، فإنك تملكها، وحين تخرج للآخرين، فإنهم يملكونها، ولهم كل الحق في كيفية تعاطيهم معها. إن هذه الثقافة بلا شك ستبرز موادًا إعلامية تستحق القراءة، لا تهريجًا يبعث على الملل و”البياخة“.
هناك ثمة خمول لدى بعض الإعلاميين، لا يتعب - مخيخه -، تفكيرًا، همه الأول والأخير كتابة مادة لتنشر، لا كتابة مادة تستحق القراءة، لتعيش وقتها - الآنية -، وتستمر نشوتها وفكرتها في قادم الأيام، ومع هذا الزخم في العدد، نأمل في حقيقة الحال لا الخيال، أن يسعى الإعلامي، لتطوير أدواته، وتحفيز ذاته، ليكون صحافي متقن أدواته، مبدعًا في مادته، ويترك دراجته، جالسًا بين قرطاسه ويراعه، عازمًا بتقديم أفضل ما لديه، فالقارئ يستحق. كن حداثيًا متناولاً قطعة ”بسكويت“، برشفة من حليب النوق، مزواجًا بينهما.
نهاية وبعد تناول وجبة الغذاء، التي أينعت رائحتها بين يدي، نقول: إن أرادت منتدياتنا وفعالياتنا، أن تبرز في جهتها، التي تقدر جهودها وتعبها، أن لا تقحم الصحافي في هذا الأسلوب الكلاسيكي - الغير مهني -، ليستطيع خدمتها وإبرازها بنوعية تستحقها. إن الإعلامي، ليكون مبدعًا ومتميزًا، أمينًا. أن لا ينحني ليكون ”ساعي بريد“. جاءت لحظة الغذاء، ليعقبها كوبًا من ”الكابتشينو“ مع كيكة ”قصقوص“. فالكم الإبداع والتميز.