الشيخ الصفار يؤكد على أهمية تجديد الفقه والتشريع لمواكبة حركة تطور الحياة
قال الشيخ حسن الصفار إن حركة التجديد في التشريع الإسلامي تبقى حاجة ضرورية، طالما أنها مرتبطة بحركة الحياة، وما دامت الحياة متطورة ومتغيرة.
كلام الشيخ الصفار جاء، مساء الجمعة، خلال الندوة الأسبوعية التي يقيمها في مجلسه الأسبوعي، وجاءت تحت عنوان: ”التجديد في الفقه والتشريع الإسلامي“.
وأشار الشيخ الصفار الى أن للدين الإلهي ثلاثة أبعاد، منها ما يرتبط بالمعتقدات الدينية، والتي لا تتغير، كالإيمان بالله والنبوة والمعاد، معتبرًا أنها من الأصول الثابتة ولا تتغير من نبي إلى آخر، أو من عصر إلى آخر.
وأضاف أن من الثوابت أيضًا القيم الأخلاقية، مثل العدل والحرية والمساواة.
وتابع أن البعد الثالث في الدين الإلهي هو التشريعات، مشيرًا إلى أن مجال التغيير فيها وارد، وهو ما نلحظه في اختلاف الشرائع السماوية، بين اليهودية والنصرانية والإسلام.
وبيّن الشيخ الصفار أن القضايا العبادية تبقى ثابتة مثل الصلاة والصوم.. لكن الأمور المرتبطة بحياة الناس وحركة الحياة، مثل تنظيم الوضع الاقتصادي والسياسي للناس، بالإضافة للحياة الأسرية والتربية فمن الطبيعي أن يكون هناك تغيير وتطوير.
وأكد أن القرآن الكريم يشير إلى إمكانية التغيير في التشريع، كما في موضوع النسخ، لافتًا أن بعض أنواع النسخ عند علماء المسلمين مقبول، وبعضه غير مقبول.
وأوضح بعض الموارد الواضحة، ومنها تغيير القبلة، حيث كان المسلمون في مكة يصلون لمدة ثلاثة عشر سنة من البعثة إلى الهجرة نحو بيت المقدس، وبعد سبعة عشر شهرًا من الهجرة جاء الأمر بتغيير القبلة إلى المسجد الحرام.
وتابع أن هناك موارد أيضًا من نسخ التشريعات في القرآن الكريم كما في موضوع عدد المقاتلين المسلمين في قتال الكفار.
وأكد الشيخ الصفار أن هناك العديد من العلماء تطرقوا لموضوع النسخ، منهم المرجع الراحل السيد الخوئي الذي ناقش أغلب الموارد التي ادّعي فيها نسخ الحكم، لافتًا أن النسخ وارد، لكنه يناقش الموارد هل نسخ هذا الحكم أم لا، كما جاء في كتابه «البيان في تفسير القرآن».
وأشار إلى أن الراحل السيد محمد باقر الصدر يفرق في الأوامر والأحكام النبوية بين نوعين: أحكام نبوية تشريعية، وأحكام نبوية تدبيرية. حيث للرسول ﷺ شخصيتان، إحداهما المبلّغ للحكم الإلهي، والأخرى شخصية الرئيس والمدبّر للمجتمع الذي يرعاه ويديره.
وتابع أن الأحكام التي تصدر عنه باعتباره رسولًا مأمورًا من قبل الله بتبليغ حكم، هي أحكام ثابتة، لكن الأحكام التي تصدر عنه باعتبار إدارته للمجتمع، فهي أحكام تدبيرية بما يتناسب مع مصلحة المجتمع آنذاك، فإذا تغير الظرف فإن النبي يقوم بإلغاء الحكم نفسه.
ومضى في القول إن العلماء يتحدثون عن عدة موارد كان النبي قد نهى المسلمين عنها، ومن ثم أعطى رأيًا آخر، كما في موضوع لحوم الأضاحي التي أمر المسلمين الذين يضحون بألّا يبقى منها في بيوتهم إلا بمقدار ثلاثة أيام فقط، ثم في السنة التالية ألغي هذا التحديد بسبب توفر اللحوم حينها.
وأشار إلى أن الفقهاء يراجعون بعض فتاواهم ويغيّرونها، بناء على إعادة قراءة الدليل، كالرأي المشهور للمرجع الراحل السيد محسن الحكيم في مسألة طهارة أهل الكتاب.
وأضاف أن الأحكام الشرعية التي قد تستوجب حرجًا على الناس، تدعوا الفقهاء لأن يراجعوا قراءة النص والدليل، ومعايشة الفقيه للواقع كما في مسألة بعض أحكام الحج كحدود الطواف حول الكعبة ومكان ذبح الهدي.
ولفت الشيخ الصفار إلى رأي للمرجع المعاصر الشيخ ناصر مكارم الشيرازي في مسألة الأضحية، وذلك بعد ذهابه إلى الحج، أعلن أنه تأثر من عدم الاستفادة من هذه الأضاحي والثروة الكبيرة، فأعاد النظر في فتواه، وأفتى بأن الحاج بإمكانه أن يذبح في بلده.
وأرجع التردد والبطء في التجديد الفقهي لعدم وجود مؤسسات علمية تساند حركة الاجتهاد الفقهي وتساعد في قراءة البيئة التاريخية لصدور الحكم الشرعي ودراسة الواقع المعاصر لمعرفة إمكانات التطبيق.
وأشار إلى أحد أهم الأسباب في التردد أيضًا الأجواء العامة التي لا تساعد على التعبير عن الرأي الجديد، فالناس قد ألفوا أحكامًا توارثوها جيلًا بعد جيلٍ، فإذا أتى رأي جديد يواجه ممانعة ورفضًا في الغالب وخاصة من قبل الأوساط المحافظة.