آخر تحديث: 31 / 10 / 2024م - 11:58 م

التغيرات في السياسات الأمريكية وإسقاطاتها على العراق

يوسف مكي * صحيفة الخليج الاماراتية

أثناء حملته الانتخابية، كرر الرئيس الأمريكي دونالد ترامب موقفه الرافض للاتفاق النووي الذي وقعته بلاده مع إيران. ووعد بأنه سيلغي هذا الاتفاق، أو يجري تعديلات جذرية عليه، حال فوزه بمنصب الرئاسة. وخلال الأسابيع القليلة المنصرمة من عهده، أعاد التأكيد على ما وعد به خلال حملته الانتخابية.

ما إسقاطات ذلك بالعنوان الذي تصدر هذا الحديث؟

في يقيننا يكمن الجواب، في أن أي تغيير في الاستراتيجية الأمريكية تجاه إيران، يستدعي تغيراً استراتيجياً، تجاه الحكومة العراقية، المتحالفة مع إيران. إن العمل على إضعاف إيران، لن يكون فقط في التصدي لسياساتها تجاه الملف النووي الإيراني، بل سوف يضيّق من عمقها الاستراتيجي، الممتد غرباً إلى حوض البحر الأبيض المتوسط، من خلال التصدي لدورها في سوريا ولبنان، وجنوباً إلى اليمن.

وفي هذا السياق، تتوفر معلومات شبه مؤكدة، عن اتصالات عدة، جرت بين مسؤولين في الحكم السابق على الاحتلال، والإدارة الأمريكية، في الأيام الأخيرة للرئيس باراك أوباما، وأيضاً في الأسابيع الأخيرة التي مضت من عهد ترامب.

خلاصة المعلومات التي توفرت تشير إلى استعداد الأمريكيين لإجراء تغييرات جوهرية في سياساتهم تجاه العراق. وأن بوابة التغيير ستكون تشكيل حكومة وحدة وطنية، يكون فيها حزب البعث شريكاً رئيسياً، في قيادة العراق. وتشير هذه المعلومات، إلى أن أقطاب النظام السابق، أبدوا استعدادهم للدخول في صفقة مع أمريكا، شريطة إلغاء العملية السياسية التي هندس لها بول برايمر. ما لم يوافق عليه الأمريكيون. وأن قناة الاتصال بين الجانبين لا تزال نشطة حتى تاريخه.

وهناك أيضاً مباحثات ومفاوضات مستمرة، بين مسعود البرزاني، الذي يحتضن بعض قيادات البعث، للقبول بقيام دولة كردية مستقلة في شمال العراق. لكن البعث يصر على تأجيل الحديث في هذا الأمر، لحين تشكيل حكومة الوحدة الوطنية، وحل الميليشيات الطائفية. وكان عمار الحكيم، رئيس المجلس الأعلى، زار عمان والتقي الملك عبدالله، وتحدث معه عن مبادرته لتحقيق المصالحة الوطنية. وأن الملك أوضح له أن أية مصالحة عراقية ستكون ناقصة، إن لم تلغ قانون المساءلة، القانون الذي يجرم الحضور السياسي لحزب البعث. وأن أي مصالحة عراقية ينبغي أن تشمل المكونات السياسية العراقية كافة.

وقد علق الناطق الرسمي لحزب البعث خضير المرشدي خلال مقابلة مع «المونيتور» بالقول: «إن المساعي الإيجابية من قبل الأردن الشقيق، أو من أي دولة عربيّة لمساعدة العراقيّين على حل المشكلات التي خلفها الاحتلال هي محطّ ترحيب وتقدير عالٍ من قيادة البعث، لكنّ المشكلة الحقيقيّة في العراق أكبر، وأعقد، وأعمق من قضيّة إعادة قادة إلى الواجهة السياسيّة بعد إلغاء العقوبات المفروضة عليهم بصورة انتقائية».

وفي السياق نفسه، التقى الدكتور محمد طاقة، وهو أستاذ جامعي، وعضو في الكادر المتقدم لحزب البعث، بإياد علاوي، في إطار تكريم رعته منظمة التحرير الفلسطينية، تقديراً لدوره في خدمة القضايا القومية، وبشكل خاص القضية الفلسطينية. ويذكر أيضاً أن سفيرة العراق في الأردن، صفية السهيل حضرت هذا اللقاء.

تقارير إعلاميّة تتحدّث عن اجتماعات عُقدت بين بعثة الأمم المتّحدة في العراق وقيادات بعثيّة بالعاصمة الأردنيّة عمّان، ولم يكن ذلك بعيداً عن علم الحكومة الأردنيّة.

ولم يكن غريباً أن يلتقي علاوي بمسؤولين بعثيين، فصلاتُه بهم قديمة، حيث كان في وقت ما أحد كوادر الحزب، رغم أنه اختلف معهم لاحقاً، وانضم إلى صفوف المعارضة. لكن صلته الجديدة بهم، بدأت منذ بدأ الافتراق بينه وبين حلفائه الذين يحكمون العراق الآن. فقد بدأ ينتهج سياسات مستقلة، ومعارضة لسياساتهم.

لكن الجديد هو التغير في موقف الحكيم والمالكي، وهو تغير أبعد ما يكون عن التصور، خاصة أن نوري المالكي هو من وضع توقيعه على قرار إعدام الرئيس صدام حسين، رغم معارضة الرئيس العراقي آنذاك، جلال الطالباني لحكم الإعدام. وبالنسبة إلى عمار الحكيم، فإن والده كان حتى لحظة اغتياله، من أشد خصوم نظام البعث، وقد قاد مقاومة عسكرية ضد حزب البعث.

التحليل المنطقي، يشير إلى وعي لدى القوى المتنفذة بالحكم في العراق بجدية الإدارة الأمريكية، في تغيير صورة المشهد السياسي في العراق. وأنها لذلك تقوم باستدارة سريعة، لاحتواء الخصوم البعثيين، بحيث تفوت على الإدارة الأمريكية إمكانية تحقيق انقلابها عليهم، بإعادة البعثيين وحلفائهم من عشائر، ومقاومة عراقية، لواجهة السلطة.

إن شمول البعثيين بقائمة المشمولين بالمصالحة الوطنيّة، التي يبشر بها الحكيم، سيسهل على التّحالف الشيعي الالتفاف على المساعي الرامية إلى إعادة البعث للعمل السياسي، وفق العملية السياسية القائمة على المحاصصة بين الأقليات القومية والطوائف المذهبية.

البعثيون وحلفاؤهم من قادة العشائر وأتباع الطريقة النقشبندية، لن يمانعوا من كسب مزيد من الأوراق، سواء من أحزاب الحكومة الحالية، أو الإدارة الأمريكية. لكنهم لن يعولوا كثيراً على وعود أمريكا، أو الطبقة الحاكمة. فما يجري حتى الآن لا يخرج عن خانة الوعود. وسيواصلون تكتيكاتهم، وفتح الجسور.

ولعل التطورات الجديدة، تسهم في منح إقليم سني مستقل، في محافظات الأنبار ونينوى وصلاح الدين وديالى، يكون استكمالا لتقسيم العراق إلى ثلاث دول. والأيام القادمة ستكون حبلى بالمزيد من الأخبار، وليس علينا سوى الانتظار.