شتاء التعليم.. من الورق إلى الغَرَق
كانت لأمطار منطقة عسير وما صاحبها من حوادث مؤلمة، وصلت إلى درجة الوفاة في بعضها، وهي المنطقة المعروفة بتضاريسها الجبلية ووديانها الجارفة، أن تضع المشهد الحياتي عموماً والتعليمي بشكل محدد تحت المجهر خلال فصل الشتاء الذي يبدو أنه لم تستعد له مؤسساتنا البلدية والتعليمية بالمستوى المطلوب؛ وهو ما يعيد للأذهان حوادث كارثية سابقة، كما في الحادثة التي عرفت إعلامياً بسيول جدّة، وكذلك ما مرّ على مناطق أخرى مثل الرياض من مواقف صعبة صاحبت فصل الشتاء قبل سنوات، وكانت النتائج التي نشرها الإعلام بحاجة ضرورية إلى إعادة تخطيط فيما يخص البنية التحتية لمدننا الكبيرة وحتى المتوسطة والصغيرة. وكثيراً ما كانت بعض المبررات بعدم وجود شبكات تصريف للأمطار بأن أغلب مناطقنا ليست غزيرة الأمطار، وتنتهي هذه المغالطة المنطقية ذات المقدمة التي توحي بأنّ المبرّر منطقي. لكن من جهة أخرى سيكون الاستفهام أكثر منطقية حينما يسأل من مرّ بهذه الصعوبات الطقسية عن مدى الجدية في توفير شبكات تصريف أمطار بمستوى أداء عالي الجودة، ووفق معايير ذات عمر افتراضي مناسب، ومتانة لا يستطيع تنفيذها إلا شركات ذات إمكانات وخبرات كبيرة، فكم من مشروع لتأسيس البنى التحتية مرّ في طريقه إلى أن أخذه الحظ إلى أن يكون بين يدي مقاولات الباطن ذات القدرات الضعيفة، وكأن المكتوب أن تتعلم العمالة الرخيصة والإمكانات المتواضعة في هذه المشاريع التنموية، التي تعتبر من السمات البارزة في مرحلة التحولات المدنية الحديثة التي تعيشها النهضة الحديثة في بلادنا ويفترض أنها تحقق جميع اشتراطات وركائز هندسة المدن وإعمار البلدان وفق أحدث المعايير العالمية.
إنّ في ألفبائية كل مشروع تنموي يتم تنفيذه وفق رؤية تتوافق مع جميع الاشتراطات الفنية والديموغرافية التي تسهّل التنقل والسكن وفق معمار وتخطيط يستحق أن تصدق عليه خصائص المدن الحديثة في بلد تتوفر له بحمد الله جميع الركائز الأساسية ليكون ليس حديثاً فحسب، وإنما ليكون نموذجاً يُحتذى به في هذا المجال.
إنّ تصنيف مساحات كبيرة من مناطقنا بأنها ذات منسوب منخفض من الأمطار، قد لا يكون صحيحاً بالواقع الإجمالي؛ إذ إنَ مواسم الشتاء تعيش تحولات أيضاً ضمن النظام البيئي العالمي، كما أن بعض شتاءاتنا تشهد في بعض فتراتها أمطاراً يتم تصنيفها على أنها غزيرة جدّاً، وهذا يتطلب استعدادات ذات مستويين أحدهما: الاستعداد الدائم، وهو المتحقق كنتيجة للتأسيس المتكامل للبنى التحية القادرة على التعايش مع مثل هذه الظروف الممطرة ولو من باب الاحتمال، فهذا من الضروريات، كما ورد في الحديث الشريف حينما قال رجل للنبي - ﷺ: «يا رسول الله أترك ناقتي وأتوكل أو أعقلها وأتوكل؟ قال: بل اعقلها وتوكل»، فهذا أمر من الواضحات التي لا تحتاج إلى إيضاح، فكيف يصحّ في الأذهان شيء.. إذا احتاج النهارُ إلى دليل.
وللحديث صلة بالشأن التعليمي، ففيما ينظر بعضهم بأن تعليق الدراسة هو هدر وتساهل، فهذا حتى عند من يعترض لا يشير إلى التعليق في الأوقات التي يحتمل فيها بعض الصعوبات الطقسية، وإنما المقصد عدم التساهل في تعليق الدراسة في كل حال. لكن ما صادف من تعليق الدراسة يوم الأربعاء في المنطقة الشرقية كان صحيحاً، لكن الإخفاق في عدم تعليق الدراسة أمس الخميس كانت له نتائج سلبية، ففي إحدى مدارس البنات الابتدائية حدث تماس كهربائي بسبب الأمطار، ولكن الله سلّم الجميع، وكذلك قامت المدارس بعد أن هطلت الأمطار في بداية اليوم الدراسي وبعد دخول الطلاب والطالبات مدارسهم إلى الاتصال بأولياء أمور الطلاب والطالبات، مما تسبب في إرباكات واسعة، خصوصاً أن كثيرا من الطرق كانت تفيض بالمياه، كما كانت بعض غرف الصرف الصحي تعيد ما فيها إلى هذه المياه؛ بسبب إطفاء مضخات الشفط فيها، فتزايد منسوب المياه، وتعطلت السيارات الصغيرة، وسط إرباكات مرورية في المدن الواسعة.
وإلى ساعة كتابة هذا المقال هناك البشائر بمزيد من الأمطار، التي نسأل الله تعالى أن يجعلها أمطار خير وبركة ويعم بنفعها الجميع. لكن يبقى السؤال المستمر وهو: هل يمكن للارتجاليات أن تضع خططاً تعالج مواسم الشتاء الممطرة، أم أن موسمنا التعليمي سيكون عرضة لتغرق أوراقه وسط عدم توفر الخطط الإستراتيجية المحكمة. اللهم اجعله صيباً نافعاً للبلاد والعباد.