الفضلي العالم المثقف
المقال السابق يجرني للحديث عن شخصية علمية مفكرة مبدعة مثقفة فاعلة نشطة. ما أن يكون هناك حديث أو نقاش في دائرة الفكر والثقافة والمعرفة إلا وارتسمت في ذهني صورة نجم لامع في سماء الفكر والمعرفة وشمس ساطعة في رابعة نهار الثقافة ألا وهو سماحة العلامة الشيخ الدكتور عبد الهادي الفضلي.
كل من قرأ نتاجه أو تابع عطاءه الفكري والمعرفي لمس ذهنيته المتقدة وألمعيته البارزة وفكره النير وعبقريته الآخاذة ونظرته الثاقبة.
وما أن استقر به المقام في حاضرة المنطقة الشرقية مدينة الدمام، حتى بات ملاذاً للكتاب ورجال الفكر ومثقفي المنطقة على اختلاف تلاوينهم الثقافية وتباين مشاربهم الفكرية، حيث مجلسه قبلة من يحمل هاجس الفكر والمعرفة، فكان الحضن الدافئ والأب الرؤوف ذا اللمسة الأبوية الحانية العطوفة على الجميع.
علو ذاته وسمو نفسه ودماثة خلقه جعلته موضع تقدير واحترام الجميع.
ولم يكن تعلق هؤلاء المثقفين به إلا نتيجة امتلاكه خصوصيات تشكل مائزاً ماهوياً له عن غيره، وتتمثل فيما يلي:
- عدم اتصافه بالمثالية الغارقة في أحلام الخيال، بل ينحو نحو الواقعية العملية.
- امتلاكه قدرة فائقة على تحليل قضايا الواقع المعاصر، وقراءة الأحداث قراءة واعية عميقة.
- همه وهاجسه العمل على تأصيل خطاب ثقافي فكري إسلامي وحدوي إنساني، وهذا واضح في محاضراته وكتاباته.
- عمل على عقلنة الثقافة الدينية، وجعل العقلانية هي منهجيته في معالجة ومقاربة الأمور ففكره النير ونظره الثاقب لا مكان فيه للأفكار البالية المهترئة والخرافة والأساطير وكل أمر من شأنه الاصطدام مع العقل.
- موضوعيته واستقلاليته في معالجاته ومقارباته لقضايا الفكر والثقافة الدينية فارق ماهوي له يلمسه كل من يتابع نتاجه المعرفي.
- فكره ديناميكي مواكب للتغيرات والتبدلات والتحولات الطارئة على الساحة الثقافية والفكرية والمعرفية. ديناميكية فكره أفضت إلى نأيه عن الأستاتيكية «السكون» في معالجاته لقضايا العصر المتسمة بالتبدل والتحول والصيرورة. أما الأستاتيكية فيلتزم بها في دائرة الثوابت فقط.
- اطلاعه الواسع على مختلف التيارات الفكرية، وثقافته المتنوعة، وموسوعيته أفضت إلى إغناء معرفي ساهم في عمق معالجاته ومقارباته للقضايا الفكرية والثقافية والمعرفية.
- الحضور الفكري اللافت في الساحة الفكرية الإسلامية عامة وليس على نطاق محلي.
- درس معوقات نهوض هذه الأمة، وشكل هذا الموضوع أحد هواجسه وهمومه.
- إنكار الذات سمة بارزة من أبرز سماته. فجهده وعطاؤه وبذله مؤطر برضا الله سبحانه وليس بدافع الشهرة أو السمعة أو تحقيق مكاسب شخصية.
- إحساسه الدائم بأنه حي فاعل ومؤثر دفع به إلى مزيد من العطاء، ولذا عطاؤه لم يتوقف وجذوة عشقه العلم والمعرفة ظلت متوقدة فيه لم تنطفئ حتى آخر لحظة من حياته.
- صفاء نفسه ونقاؤها وبعدها عن الحقد والحسد مكنته من الإنفتاح على مختلف التيارات الفكرية حتى الذين يتابينون معه أيديولوجيا فحظي بودهم واحترامهم.
- نأى بفكره عن معالجة ومقاربة صغائر الأمور التي تمزق المجتمع وتشرذم الأمة، بل وجه فكره نحو القضايا الكبرى ذات المماسة بمستقبل وحضارة وفكر وثقافة الأمة.
- عمله الدؤوب على غرس الثقافة في نفوس الشباب وحثهم على الاضطلاع على ثقافة الآخرين للاقتباس المدروس والواعي وتشجيعهم على امتلاك رؤية نقدية مستقلة تبعدهم عن التقليد الأعمى والتبعية.
- مقدرته على تسخير الإمكانات التي تختزنها نفسه من كتابة وتدريس وإلقاء محاضرات وندوات في تشكيل وعي فكري وثقافي في المجتمع.
- نظرته العميقة وأفقه الفكري لا يحجزهما حاجز من وصولهما إلى الأذهان لاتكائهما على لغة سلسة وسهلة وبيان واضح لا لبس ولا غموض ولا ضبابية فيه.
فرحمك الله يا أبا عماد فقد خسرت المحافل العلمية والثقافية والفكرية عالماً شمولياً ومفكراً مبدعاً ومثقفاً مضطلعاً قلَّ نظيره.