آخر تحديث: 24 / 11 / 2024م - 4:17 م

علي الجنيبي والحزن لحظة القصاص

سارة مطر صحيفة الوطن

الجمهور تجذبه الأخبار اللافتة، المفخخة بقضايا شائكة وغريبة، فيديرون وجهتهم لها، ويحاولون تفسيرها، متوقعين على الدوام أنهم خارجها تماما

هناك مشاكل لا يمكن الاستهانة بها على الإطلاق، أيضا هناك جروح يجب ألا نستهين بها، في العادة الناس تركز على أوجاع الحزن، ولا ينتبهون إلى أن أساس الحياة هو العدل والسعادة، ولكن هكذا هم الناس يتباهون ببكائهم وآلامهم أكثر من الفرح نفسه، يخافون الفرح لاعتبارات سيكولوجية وفيزيولوجية، يشعرون بالتناعم مع الحزن والأوجاع المبرحة أكثر من الدخول في علاقة مصالحة مع السعادة ومشتقاتها.

ولهذا السبب فالجمهور دائما ما تجذبه الأخبار اللافتة، المفخخة بقضايا شائكة وغريبة، فيديرون وجهتهم لها، ويحاولون تفسير مثل هذه الأحداث، متوقعين على الدوام أنهم خارج هذا الحدث تماما، ولربما كثيرون يعتقدون بأنهم بعيدون عن هذه الدائرة، ولن تصيبهم أي من هذه القضايا التي تتفجر في المجتمع يوما بعد يوم، وأحيانا هناك مشاكل تتسع دائرتها وينزلق العديد من الشباب في السقوط نحو الهاوية، لكن يظل الأب المطلع والقارئ يشعر بأن مثل هذه الأحداث التي يحرص على متابعتها في مختلف القنوات الإعلامية، لا يمكن أن تكون قريبة من حياته، وهذا ما أود أن أشير إليه، نحن لسنا بعيدين بالشكل المطلق عن الإشكالات التي تحدث والتغيرات الثقافية والاجتماعية، بل نحن جزء من هذا المجتمع، وعلينا أن نشعر بالخوف من هذا التعقيد الحياتي الذي لربما يكون قريبا منا من دون أن نعلم.

عدد من وسائل التواصل الاجتماعي سجلت وصورت وأذاعت العديد من مقاطع الفيديو، لظواهر كنا نسمع بها، لكننا لم نعش تفاصيل أحداثها بشكل عيني، سهولة تصوير الحدث وبث المشاهد ومقاطع الفيديو هنا وهناك، جعلتنا جميعا نشارك في الحدث رغما عنا، شئنا أم أبينا، وقبيل أيام شاهدت فيديو قصيرا صورته كاميرا كانت موضوعة في واحدة من محلات السوبر ماركت في محافظة مكة المكرمة، وأظهرت بشكل تفصيلي اعتداء أحد الشباب على زميله بالطعن بأداة حادة، وشاهدنا من دون أن يكون الحدث تمثيليا أو من بنات رأس أفكار مشاهير ”السوشل ميديا“، كيف حاول الشاب المراهق الدفاع عن نفسه، ومحاولة إبعاد الآلة الحادة عن أن تخرق جسده النحيل، وفجأة ظهر لنا الشاب وهو يحاول أن يجد من يسعفه والدماء تلطخ ثوبه، وبعدها انقطع التسجيل، بعدما شاهد الملايين من الجمهور محاولة الشروع في القتل مع سبق الإصرار والترصد.

هل هذا المشهد سيكون الأخير؟ لا أظن ذلك، عدد من المشاهد سبقت هذا الفيديو، قصص وحكايات رأيناها وشعرنا بمدى الأسى والحزن، ما يحدث داخل مجتمع الشباب عائد على عدم امتلاكهم الصبر أو حتى فكرة النقاش والتحاور مع الطرف الآخر لحل المشكلة، لاعتقادهم أن الحوار لربما يدلل على ضعف شخصياتهم أمام أقرانهم، وهذا يعود لعدم وجود تربية حقيقية لبعض الشباب من قبل أسرهم التي تعتقد أنه وبمجرد أن شارب ابنهم قد بدأ يظهر، فهو رجل وصاحب قرار، ويمكن للشارع أن يعلمه أساسيات الحياة.

الأصدقاء من وجهة نظري يلعبون دورا كبيرا في مجتمع الشباب، وربما البعض منهم يكون هو المحرض الأول ليدفع صديقه للدخول في مشاجرات عنيفة يظن المعتدي أنها ستنتهي بالصلح في مركز الشرطة.

قبل فترة سألت إحدى الصديقات اللاتي درسن معي في جامعة البحرين، وتخصصت في دارسة القانون، سؤالي كان للصديقة آلاء عن عدد جرائم القتل في البحرين، فأجابتني بأنها قليلة جدا ومعدودة، لا أريد أن أقارن الحجم السكاني بين السعودية ومملكة البحرين، ولكني أردت أن أتفهم أكثر القضايا تداولا في محاكم البحرين، وسعدت حينما أخبرتني الصديقة بأن قصص القتل في المجتمع البحريني قليلة ومعدودة جدا، ولكن في مقابل ذلك تعددت قضايا القتل لدينا في المملكة، وهذه تحتاج منا إلى دراسة سيكولوجية عميقة جدا، لمعرفة الأسباب التي تدفع شبابا في عمر الزهور يسقطون قتلى أمام مدارسهم أو أمام المحلات التجارية بسبب خلافات تنشب فجأة، ويخلف القاتل والمقتول تاريخا مأساويا في قلوب أسرهم حتى بعد صدور الحكم الشرعي وتصديقه، أو صفح أسرة القتيل عن القاتل لوجه الله أو بمقابل مبلغ مالي يساوي ميزانية دولة أفريقية فقيرة لعشرة أعوام.

أكتب مقالي بعد أن شاهدت مقطع فيديو تم تصويره في الطائف، أثناء تشييع جنازة الشاب علي الجنيبي، غفر الله له، لقد تأثرت بشكل لا يوصف وأنا أرى الجموع الكبيرة التي احتشدت لوداع الشاب الصغير، الذي ذهب ضحية خلاف بينه وبين زميله في المدرسة، المغفور له بإذن الله، تركي سالم البقمي، خلاف ومضاربة داخل المدرسة في محافظة تربة أدّيا إلى واقعة القتل، وعلى إثر ذلك تم تنفيذ حكم القتل قصاصا في الجاني، الأب حاول أكثر من مرة التدخل وعدم الاستعجال في القصاص، حتى أنه قبل القصاص من علي، طالب والده بمهلة لمدة شهر كي تتمكن لجان الصلح والمشايخ والأعيان من السعي في عتق رقبة ابنه، وإقناع أهل الدم بالتنازل، ولكن المساعي كلها فشلت للأسف الشديد، رحم الله علي وتركي وجعل الجنة ملاذهما وسكنهما.

في إعادة الصورة وترتيب الحزن الذي نريده أن يكون، فقط علينا أن نتذكر حال الأسرتين، الأب الذي فقد ابنه نتيجة سوء تصرف من علي الذي لم يبلغ سوى السابعة عشرة من عمره، ووالد علي الجنيبي الذي عاش فترة من الحزن البليغ وهو يحاول أن يبحث عن مخرج لعتق رقبة ابنه، المشاهد منذ بدايتها تبدو محبطة وكئيبة، حزن الوالدين هو أكثر ما يكمن في الصدر من غزارة في الأسى والمعاناة، لذا، علينا ألا نعتقد أن المشاكل التي تحدث في المجتمع يمكن أن تكون بعيدة، علينا أن نعيد ترتيب أوراقنا في كيفية تطبيق منهج الالتزام الوثيق تجاه أبنائنا، وأن تكون التربية من البيت لا من الشارع.