آخر تحديث: 31 / 10 / 2024م - 11:58 م

وجوه كالحة

من غرته الحياة الدنيا فاحتوته بزينتها وزخارفها، فأخذته نحو الفجور والأهواء والشهوات، حتى تجسدت فيه السيئات والخطايا، هاهو اليوم الذي كان يكذب به في وجدانه ماثلا أمام عينيه اللتين لا تطيقان النظر لهول ما ترى في ذلك اليوم العظيم، فقد اتسخت قلوبهم بأدران الآثام وخلت من نقاء السريرة وطيبتها، وإذ عرضوا أنفسهم لنقمة رب العالمين واستحقاق عقوبته، فلينظروا اليوم آثار أعمالهم القبيحة وجزاء ما قدموا لأنفسهم من مصير قاتم مؤلم!

لقد رحلوا من هذه الدنيا دون أن يحققوا لوجودهم أي تكامل أو تحل بفضيلة، بل كانوا عين الإثم ومنبعه ومورد تقحم المعايب والمنكرات، ومن نظروا لهم بعين الاعتبار والأهمية ممن كانوا حولهم، ها هم يرحلون عنهم بلا أعوان أو مظاهر أبهة وتكبر، فجاءتهم المنية بلا سابق إنذار ما خلا رسل الله إليهم من رحيل أحبابهم، فاستراحت الأرض من ظلمهم وجورهم وجناياتهم التي توزعت على بقاعها وقطعها الزمنية، ليواجهوا حصاد ونتاج ما عملوا ويرون جزاءهم الأليم.

لقد طلبوا التفرد المتميز فبذلوا من أجل حديث الناس عنهم الأموال الطائلة، فحظوا في الدنيا بمظاهر خداعة سرابية من تصفيق وتطبيل أفاكين متملقين، ولكنهم اليوم ينعمون بتفرد لا يودونه، تخرج أرواحهم بكل ألم لا يطاق عند انتزاعها من أبدانهم، وتأتيهم البشارة التي تسوؤهم وتسود وجوههم، تصرخ بهم الملائكة أن أبشروا بما ينتظركم في مستقركم الذي ينتظركم، فليس لكم في نار جهنم إلا حميم وغساق، ولن تنعموا بما تكرهونه وهو الموت، بل كلما بليت جلودكم تحت وطأة لهيب الحريق، تتجدد لكم أخرى.

لهم في غمرات سكرة الموت - والتي هي أولى محطات الرحيل ومواجهة الأهوال - عذاب وجزاء ما ارتكبوه من إعراض عن الحق وآيات الله، وما كذبوه من عقاب على ارتكاب الموبقات ها هم يعاينونه ويعانون منه.

وأعماله القبيحة التي طالما تخفى به عن أعين الناس، ها هي تتجسد وتأتيه لتسوء نفسه أكثر وأكثر، وأما في يوم القيامة فتكون له سيماء الإجرام والفجور، لتتعرف عليهم الخلائق من الأولين والآخرين في يوم تفتضح فيه السرائر، أفلا ينظرون إلى جمال وجوههم التي طالما تباهوا واغتروا به، إنه يتحول إلى أقبح صورة في يوم الجزاء، فتلك النعومة والنضارة تحولت إلى سواد كقطع الليل المظلم؛ ليكشف خبايا نفوسهم وصورهم الحقيقية التي جسدت العصيان، فتلك الدنيا التي استعبدتهم، فطلبوا متاعها الزائل الرخيص وارتضوه بدلا عن نعيم الجنان، واستحصلوا على الرغبات الآثمة المحرمة التي زودتهم بلذة ساعة فباؤوا بوزرها أبد الآبدين، فأنستهم لقاء الله تعالى والاستعداد له بالعمل الصالح؛ ليروا نتاج صفقاتهم وتجارتهم البائرة.