مختصون: حب التملك غريزة طبيعية إذا لم تتعد حدودها
أكد مختصون في علم النفس أن ”حب التملك“ غريزة طبيعية إذا ما تعدت حدودها الطبيعية، جاء ذلك من خلال استشراف ماهيته في العمل الاجتماعي والتطوعي لدى مختصين في علم النفس أجرته «جهينة الإخبارية»، تبيانًا لأثره السلبي والإيجابي في بيئة العمل والعلاقات الأسرية والمجتمعية.
بين الأخصائي النفسي جعفر آل خزعل - عضو مجموعة أصدقاء تعزيز الصحة النفسية -، أن ”حب التملك“ غريزة طبيعية في الإنسان، وينقسم إلى قسمين: حب تملك واقتناء الأشياء، كالمال والبيت والسيارة وحب تملك الأشخاص الذي مظهره الغيرة وفرط الحساسية والإتهامات.
ونوه إلى أن له جانبًا غير سوي، يتثمل في الرغبة في الحصول على ممتلكات الغير بأي طريقة.
وأوضح أن الغريزة قوة كامنة في الكائن الحي تدفعه إلى أنواع مختلفة من السلوك، لافتاً إلى إن الغرائز هي المحركات الأولى لكل سلوك ويقسمها بعض العلماء إلى ثلاث مراحل هي: «مرحلة الحاجة البيولوجية، وهي مرحلة الغريزة، مرحلة الإحساس الحيوي، وهي مرحلة الشهوة، مرحلة الضغط على النفس، وهي مرحلة الهوى».
وأكد أن حب التملك غير السوي يُعتبر مشكلة من مشكلات مرحلة الطفولة الشائعة، مبينًا حيث يسعى الطفل لتملك ما لدى الأطفال الآخرين رغم وجود مثله عنده، منوهًا أن الأمر يحتاج لتدخل الآباء في مراحل مبكرة، لتثقيف الأبناء على مبدأ تحديد الملكيات وليعرف ما ينتمي إليه وما ينتمي لغيره وليس من حقه.
وتابع: ”وإلا فسوف تنمو هذه الحالة، بحيث يصعب التغلب عليها لاحقًا، مما ينتج سلوكًا غير سوي ينتقل من حب تملك الأشياء إلى حب تملك الأشخاص، مما يؤثر على علاقاته وعلاقتهم الإجتماعية الطبيعية“، مشيراً إلى أنه يؤدي إلى مشاكل زوجية لاحقًا، بحيث يصبح حب التملك غيرة وشكوك وحساسية مفرطة قد تؤدي إلى ما لا يحمد عقباه.
وبين أنه كغريزة حالة طبيعية ما لم تتجاوز الحدود المناسبة من التعدي على الآخرين ومحاولة اقتناء ما يملكون دون وجه حق أو التعلق المرضي بالأصدقاء والمقربين، لعزلهم عن مجتمعهم والآخرين.
وأجاب على ما يتعلق بظاهرة التمسك بالمنصب وعدم إتاحة الفرصة لتدوير المنصب بأنه يعود لغريزة حب السيطرة، معرفًا إياها بكونها غريزة تتبلور كلما ترعرع الإنسان وتفاعل مع بيئته الإجتماعية، ”هنا يأتي دور الإرادة التي تحدد مسار الغرائز نحو المرغوب وغير المرغوب، والعقل الذي لديه القدرة على تعديل الميول“.
وأشار إلى أن هناك من يكبت الغرائز ومن يطلق العنان لها ومن يضبطها باستخدام الإرادة السوية والعقل السوي، مؤكداً أن حب التملك يُعد على الصعيد الاجتماعي في بعض أنواعه نوعًا من الأنانية.
وبينت الأخصائية النفسية فاطمة السعيد - عضو مجموعة أصدقاء تعزيز الصحة النفسية -، أن حب التملك يُعرف لغويًا بالرغبة في حيازة شي ما، وفي علم النفس هو غريزة فطرية وشعور لاإرادي بالتملك نحو شئ ما أو شخص ما.
وذكرت بأنه غريزة ولكن بمعدلات ومستويات مختلفة، لافتة إلى أن العوامل الشخصية وظروف البيئة المنشئة قد تحوله إلى مرض يسبب مشكلة يعاني منها المحيطين، لتكن أضراره تؤثر في الآخرين.
وأوضحت بأنه ليس حب التملك بذاته هو الدافع في التميز والإبداع ولكن من سماته المحافظة والاستمرارية، اللذان يدفعان إلي النجاح سواء على مستوى العلاقات بين الأفراد أو النجاح المهني.
ولفتت إلى إن التعدي على خصوصيات الآخرين يشكل مصداقًا من مصاديق ”حب التملك“، مبينة أنه طالما كان في مستوياته الطبيعية كان مقبولاً، ولكن إذا تعداها خلق جواً من التنافر والمنافسة الغير حميدة، مضيفةً ”يُلاحظ بعض الأشخاص في العمل الاجتماعي والتطوعي التمسك بالمركز كرئيس مشروع أو لجنة ما وعدم فتح المجال للآخرين فهذا يُعنى بحب السلطة“، مرجحةً ذلك لخصائص الشخصية وتقديرات من خلال الأنا العالية التي ليس لديها القدرة على التكيف في الصفوف الثانية.
وأكدت أن الغالب تكون قيادات تفتقد الديمقراطية في مراكزها، لذلك تكون الإنتاجية والحماس في الآخرين مقيد وأدوارهم غير فعالة، ”نحن نحتاج إلى مجتمع جميع أفراده يعملون في الصف الأول“.
وبينت أن المفارقة بين ”حب التملك“ و”الأنانية“ بسيط جدًا ومتداخل كثيرًا، حيث أن الأناني هو محور نفسه، أما من يحب التملك فمحوره السيطرة على الآخر.
وشددت على أن النمط التربوي مهم لأنه يمثل التطبيع الذي ستكون عليه شخصية الطفل، موضحة أن الدلال الزائد والحماية الزائدة أو نقيضهما القسوة والعنف، كمنهج له مؤشرات بطفل قد يعاني اضطرابات يكون منها حب التملك.
وأكدت أن أساليب التربية السوية المبنية على المساواة واحترام خصوصيات الآخر وخلافه كفيلة بإنشاء طفل خالي من العقد والاضطرابات، مشيرة إلى أن الظروف المجتمعية وسيادة الأقوى وضعف الأنظمة والكثير من المستحدثات من الأسباب التي تجعل من ”حب التملك“ يستشري تفاعلاً في الشخصية الإنسانية.
وبين الأخصائي النفسي سلمان الحبيب أن حب التملك قد يكون دافعًا للتميز إذا كان ضمن حدوده الطبيعية، مشيرًا إلى أن له آثارًا إيجابية أخرى منها الحفاظ على الممتلكات الخاصة والاهتمام بها.
وقال: إن التعدي على ممتلكات الآخرين ينطبق على الجانب السلبي في حب التملك وله ارتباط بالعدوانية، وقد يكون أسلوبا تنفيسيًا للكبت أو رغبة في إبراز الذات أو بسبب الغيرة أو محاولة لتحويل الغضب من موضوع لموضوع آخر متصل بممتلكات الآخرين.
وأوضح أن حب التملك في العمل الاجتماعي والتطوعي حالة متصلة بحب التملك، ولكنها مرتبطة أكثر بالأنا المتضخمة الراغبة في الاستحواذ أو الرغبة في الظهور والتقدير أو التسلط على الآخرين لإشباع الأنا، منوهاً أن الأمر قد يتصل بحالة اضطراب نفسي، مثل البارانويا الذي يتصف فيه صاحبه بداء العظمة الذي يشعر فيه بأنه الأحق بالسلطة مع بعض الهذاءات التي يراها هو حقيقة لا شك فيها.
وقال: إن حب التملك، هو حب منسوب للأنا وليس للغير؛ ويوصف الفرد بأنه أناني حينما لا يهتم بغيره ويرى الحق لذاته فقط، منوهاً إلى أنه يمكن للآباء تربية الأبناء على الحفاظ على الممتلكات الخاصة - وفي الوقت نفسه - يجب تربيته على التعاون والعطاء والاختلاط بالآخرين، مؤكدًا أن الإنسان كائن اجتماعي بطبعه ولا يمكن أن تتحقق هذه الصفة الإجتماعية إلا بضبط الأنا والاهتمام بالآخر.
وبين أن حب التملك هو حب غريزي ولكن الذي يجعل منه حبًا غير طبيعي، عدة أسباب، منها: التربية على الاهتمام بإشباع الحاجات الذاتية فقط، وعدم الاهتمام بشؤون الآخرين، مشيرًا وقد يكون الحب غير الطبيعي نتيجة لمواقف حياتية معززة لذلك السلوك، وقال: ”إنه ليس اضطرابًا وليس شيئًا مخيفًا، ولكن علينا كمربين وآباء أن نروض تلك الغريزة، بحيث يكون الفرد كائنًا اجتماعيًا متعاونًا مع الآخرين ومحبًا لهم“.