لماذا المثقف الإسلامي غير مؤثر؟
المثقف ظاهرة إنسانية تاريخية، تاريخيتها ممتدة بامتداد التطور المعرفي للبشرية، وتتسم بالجدلية التي لا تقتصر على منحى واحد وبعد واحد، وأبرز هذه الأبعاد البعد التأثيري للمثقف على المجتمع.
ولذا ثمة تساؤل دائماً ما يطرح في أوساط بعض الدارسين والباحثين في المجتمعات الإسلامية ألا وهو:
لماذا المثقف الإسلامي ليس له تأثير واضح وملموس في مجتمعه؟
بالطبع هذا التساؤل ينزع نحو التعميم، والوجدان يكذب هذا النزوع، إذ التاريخ الإنساني المعاصر يقدم شخصيات إسلامية مثقفة ذات عقلية خلاقة ومبدعة قدمت أفكاراً بديعة ورائعة كان لها بالغ الأثر في تشكيل وعي اجتماعي أدى إلى انبعاث روح الأمل والتفاؤل في نفوس أفراد مجتمعهم وتفجير طاقاتهم الكامنة في دواخلهم ليحولوا مجتمعاتهم من مجتمعات راكدة متخلفة منغلقة على نفسها إلى مجتمعات ديناميكية فاعلة مؤثرة تتحرك الثقافة في مختلف مفاصلها والفكر في شتى جوانبها وأبعادها.
وأبرز هذه الشخصيات الفكرية الإسلامية المؤثرة في مجتمعاتها شريعتي ومطهري ومحمد إقبال وجمال الدين الأفغاني ومحمد عبده ومالك بن نبي والكواكبي ونحوهم.
فالسؤال الذي ينبغي أن يطرح في هذا الصدد بدلاً من ذلك السؤال ذي النزعة التعميمية هو:
لماذا بعض المثقفين الإسلاميين لا يملكون تأثيراً في مجتمعاتهم؟
بعض المثقفين الإسلاميين لا يملكون تأثيراً في مجتمعاتهم منشؤه انفصالهم عنها، فالتأثير لا يكون حاصلاً إلا بانصهار عنصرين مع بعضهما، هما: المؤثر والمتأثر، وبانصهارهما يحدث الأثر.
والمؤثر هنا المثقف والمتأثر أفراد المجتمع، فإذا انفصل المؤثر عن المتأثر، فأمر طبيعي لن يكون هناك أثر.
ويمكن توضيح ذلك من خلال المعادلة التالية:
المثقف + تأثير + المجتمع = أثر
والمثقف الذي لا تتحرك ثقافته بحركة المجتمع، لا تدرس هواجسه ولا تتماشى مع مشاكله ولا تساير تطلعاته وطموحاته وآماله.. هل نتوقع من المجتمع أن يتقبل أفكاره وأطروحاته ورؤاه؟
بالطبع لن يكون متفاعلاً مع أفكاره، وبالتالي لن يكون فاعلاً مؤثراً.
وعدم مسايرة أفكار ورؤى هذا المثقف وتفاعلها مع ما يعيشه المجتمع من هموم ومشاكل وهواجس ناشئ من أمور عدة قد تضيق المقالة عن ذكرها ولكن نذكر أبرزها وهي:
- انفصال نظرياته وآرائه عن الواقع التطبيقي.
- انتفاخ الذات وإحساسه بالروح النخبوية وعلو شأنه في الجانب المعرفي والفكري على بقية أفراد المجتمع مما يؤدي إلى حبس نفسه في إطار خاص وبناء جدار عازل يعزله عما يدور عن خارج محيطه الخاص.
- تعصبه لآرائه وانحيازه للجزمية وعدم وضعه هامش من المرونة تسمح بتحوير أو تبديل آرائه بحسب ما تقتضيه ضرورة التأثير.
- عدم مسايرته للمستجدات في الساحة الفكرية والثقافية نتيجة لإحساس خادع كامن في نفسه، وهو شعوره بأنَّ أفكاره تمثل النموذج المحتذى الحافل بالمفاهيم المطلقة.
- افتقاره للإحساس بالمسؤولية الاجتماعية المناطة به كفرد يفترض أن يكون عاملاً مؤثراً مغيراً في مجتمعه. وبفقد هذا الإحساس يفقد التأثير ويكون مصداقاً لمقولة الدكتور شريعتي: «أن يعلم ولا يعمل».
- عدم اهتمامه بعنصري الزمان والمكان «الزمكانية» في مرحلة بناء آرائه وكذلك في مرحلة البث والنشر، إذ ينبغي على المثقف الواعي الا تغيب عن ذهنه أهميتهما فتجده يحرص على أن يحلل ويقارب ويعالج أفكاره من خلالهما.
- بعد أفكاره عن ملامسة هواجس وهموم ومحن وتطلعات أفراد المجتمع.
- نزوعه نحو المفاهيم المجردة الذهنية.
- حمله أفكار مستوردة من الخارج لا تنسجم مع الظروف الموضوعية المحيطة بمجتمعه رغم نجاحها في البلد المستورد منها، إذ لكل مجتمع ما يلائمه من رؤى.
- ضبابية رؤاه وأفكاره من حيث الهدف والغاية: هل هي دنيوية تحرك المجتمع نحو خلافة الأرض وإعمارها والتمدن، أم أخروية تحفز أفراد المجتمع اتجاه معرفة الهدف من خلق هذا الكون وفهم المصير والمآل والبحث في الميتافيزيقيا «الماورائيات»؟
- التقولب الفكري الرافض للتعددية الثقافية والفكرية والدينية.
- تضحيته بالمبادئ والقيم من أجل المنفعة الذاتية.
- افتقاره لرؤية نقدية ثاقبة تحاكم أفكاره وآراءه قبل أفكار الآخرين.
- عدم امتلاكه للأساليب التي تلعب دوراً كبيراً في عملية التأثير كالخطابة وأدوات البيان والكتابة والتأليف.
- اقتحامه تابوهات المجتمع «الخطوط الحمراء» بطريقة فجة وأسلوب صلف مما يثير حنق أفراد مجتمعه عليه وعدم تقبلهم لأفكاره.
هذه مجموعة من العوامل البارزة التي لا تمكن المثقف الإسلامي من العبور اتجاه جسر التأثير في مجتمعه.
وبالتالي ليس بإمكانه أن يكون لاعباً مؤثراً في عملية التغيير والصيرورة في مجتمعه إلا بتلافيها.