تحرير الموصل والمستقبل السياسي للعراق
من المؤكد القول: إن طبيعة التطورات والأحداث العسكرية والميدانية لمعركة الموصل في العراق، تدفعنا إلى الاعتقاد، أن الأمور والمعطيات تتجه صوب تحرير مدينة الموصل من سيطرة تنظيم داعش الإرهابي.. وأن الجيش العراقي قادر على تحرير وطرد تنظيم داعش من مدينة الموصل.. طرح هذا الموضوع بطبيعة الحال شكل التسوية السياسية بين مكونات المشهد العراقي، وطبيعة المشهد السياسي النهائي الذي ينتظر الشعب العراقي.
ويبدو أن بطء العمليات العسكرية لتحرير الموصل، يعود إلى عدم اتفاق العراقيين على ما بعد تحرير الموصل.
ونود في هذا المقال أن نوضح رؤيتنا للمشهد السياسي المستقبلي للعراق من خلال النقاط التالية:
من يعتقد أن العراق يحكم من مكون واحد أو طيف سياسي واحد هو واهم ويدفع الأمور باتجاه تنمية أشكال الاستبداد السياسي في العراق.
تعلمنا معطيات المشهد السياسي في العراق، أن هذا البلد العربي العريق، لا يحكم إلا بشراكة سياسية متساوية بين جميع أطيافه ومكوناته.. وإن استقرار الوضع السياسي في العراق، مرهون ببناء نظام سياسي تشاركي تعددي بين جميع مكوناته وأطيافه. ودون ذلك سيبقى العراق يعاني من محنه الإرهابية والسياسية.. فالعراق لجميع العراقيين، ومن يبحث عن أشكال الاستفراد بالعراق، هو يؤسس لأزمة قادمة للعراق تصيب أهله جميعاً.
فالعراق ليس شيعياً أو سنياً أو كردياً، وإنما هو لجميع أبنائه بمختلف ألوانهم وميولاتهم.
واستقرار العراق العميق، يعود إلى قدرة المشهد العراقي على بناء نظام سياسي تعددي، يحترم فيه الإنسان العراقي بصرف النظر عن دينه أو طائفته.. ولن يتمكن العراقيون من بناء نظام سياسي يحترم مطلق الإنسان، إلا بالنظام التشاركي، الذي لا غلبة فيه لأحد على أحد.
والإرهاب المدمر الذي عاش تجربته العراق خلال الفترة الماضية، لن يتمكن الشعب العراقي من الانتهاء والتحرر منه، إلا بنظام سياسي عادل لجميع الطوائف والمكونات.
والدستور العراقي الحالي، لا يتحدث عن دولة دينية للعراق سواء كانت شيعية أو سنية.
وإنما يتحدث عن دولة مدنية لكل العراقيين.. ولأول مرة في تاريخ العراق، يتبنى دستور مدني للعراق بموافقة ورضى المرجعية الدينية في العراق.
ويبدو أن الاتجاهات الرئيسية للدستور العراقي، هو الذي يضمن استقرار العراق، ويحمي كل العراقيين.. فالعراق لجميع العراقيين. ودون ذلك يعني الحرب والاقتتال الداخلي للعراقيين.
وعليه فإن التنظيمات الإرهابية، التي تقتل وتفجر العراقيين، هي العدو المركزي الذي ينبغي لكل العراقيين مواجهتهم والوقوف ضدهم.. لكي يضمن الجميع أن يكون العراق للجميع بصرف النظر عن الدين والطائفة والعرق.
كل الأطراف السياسية في العراق، التي تستند حقيقة في الوصول إلى مشروعها السياسي على دعم الكيانات الإرهابية التي تقتل وتفجر في العراق هي ضد العراقيين جميعاً.. ولا يمكن لهذا الطرف وأمثاله أن يبني استقلال العراق أو صيانة وحدته الوطنية.. لذلك فإن الشراكة السياسية لن تتأسس في العراق بدعم الإرهاب في العراق.
إن من يدعم الإرهاب في العراق، هو يؤسس لخراب العراق، ولن تستقر أحوال العراق إلا بالموقف الموحد للعراقيين ضد كل الجماعات الإرهابية التي تعبث في العراق فساداً وتخريباً.
ويبدو لي أن الشرط الوحيد على السماح لدخول العملية السياسية، هو اتخاذ موقف صريح وواضح ضد الإرهاب وعملياته في العراق كله.
لعلنا لا نأتي بجديد حين القول: إن من مهمات الحكومة العراقية الحالية العمل على تعزيز المواطنة العراقية.. فالأوضاع السياسية والاجتماعية لن تستقر في العراق، إلا بدعم المواطنة العراقية.
ويبدو أن الوضع السياسي في العراق مقصر على هذا الصعيد.. فلن يتمكن العراقيون من الوقوف ضد تدخل الأجانب في العراق، إلا بتعزيز المواطنة العراقية.
وإن تأجيل هذا المشروع يضر بواقع الحالة السياسية للعراقيين.. لا نريد العراق ساحة مفتوحة لجميع الإرادات السياسية.. نريده للعراقيين بمختلف ميولاتهم وأفكارهم.
ولن يتمكن العراقيون من صيانة ترابهم الوطني واستقلالهم السياسي، إلا بتعزيز مواطنتهم المشتركة.
هذه المواطنة المشتركة، هي القادرة وحدها على منع أي عابث بأمن واستقرار العراقيين.
والإنسان العراقي الذي يعتز بمواطنته العراقية، هو الوحيد القادر على هزيمة الإرهاب وبناء كل مستلزمات الشخصية العراقية التي تحمي وطنها واستقلاله السياسي.
لذلك ثمة حاجة عراقية في هذه الفترة على القيام ببناء مبادرات سياسية لصوغ الواقع العراقي على أسس منسجمة مع أبجديات الدستور العراقي الذي يتطلع إلى بناء دولة مدنية للعراقيين جميعاً.