آخر تحديث: 24 / 11 / 2024م - 2:18 ص

الباب الدوّار والعقلية الناضجة

الدكتور مصطفى المزعل *

دخلت مع زميل لي في الجامعة لأحد المباني عبر الباب الدوار، بدلا من الباب العادي، وكانت في استقبالنا لافتة كُتب عليها «استخدامك للباب الدوار يُساهم في حفظ الطاقة»، قرأها زميلي وأعقبها بضحكة قائلا: «ما هذا الغباء!؟ الباب الدوار يعمل بالكهرباء بينما العادي يعمل بدون كهرباء، فكيف يحفظ الباب الدوار الطاقة!».

سخر الأخ الفاضل من هذا الأمر واعتبره غباءً، بل أراد أن يثبت العكس، دون أن يستوعب الفكرة، كان بإمكانه أن يكتفي بالتعبير عن استغرابه، وعن عدم فهمه كيفية حفظ الباب الدوار للطاقة، بدل السخرية والانتقاص من الأمر، لكنه اختار أن يخوض في الأمر ويهزأ به دون أي خلفية أو اطلاع كافٍ.

فهو قد تعلم في مرحلة من مراحل حياته أن استخدامنا للكهرباء يعني استهلاكنا للطاقة، فمن غير المنطقي بالنسبة له أن باباً دواراً يعمل بالكهرباء، بإمكانه توفير الطاقة، في حين أن باباً عادياً، يعمل بدون كهرباء يسبب هدراً للطاقة!

ذكرت له أن الباب الدوار يعمل بطريقة تخفف إلى حد كبير تدفق الهواء لخارج المبنى، فيحافظ في الصيف مثلاً على الهواء البارد ويمنعه من الخروج من المبنى مما يعني حاجة أقل لأجهزة التكييف واستهلاك أقل للطاقة، وهذا ما لا يوفره الباب العادي، فاتضح الأمر للأخ وخجل من نفسه بعد أن هزِئ من اللافتة.

نكاد نلحظ هذه العقلية في التعاطي مع العديد من شؤون حياتنا، بعضها يتعلق بقضايا ومفاهيم كبرى، وبعضها يرتبط بمواضيع بسيطة، والبعض الآخر يلامس علاقاتنا البشرية.

كم مرة حكمنا على أقوال الناس في غيابهم، دون يقين بصحة الكلام المنقول، أو ما يعنيه قائله؟!

كم مرة استعجلنا الحكم على أفراد من مظاهرهم؟ ومجتمعات من الصورة النمطية عنهم؟!

وكم من مفاهيم ومصطلحات تسرعنا في مهاجمتها دون إلمام كافٍ بها وبمعانيها؟ فأحدهم يستنكر ويهاجم العلمانية باعتبارها ضداً ونداً للدين، وهو لا يعرف منها إلا اسمها! وأحدهم يهاجم الليبرالية كونها خطراً على الأمة الإسلامية في الوقت الذي قد يكون مؤمنا بها وداعياً لها دون أن يعلم!

وكم من معتقدات وطقوس وممارسات دينية سخرنا منها ومن صاحبها دون التفكير بالخلفيات الثقافية أو الدينية أو الاجتماعية التي أوصلت الناس لتبنيها وممارستها!

بعضنا قد يتخذ مواقفَ من شخصيات ورموز دينية أو اجتماعية أو سياسية أو غيرها، بسبب تصنيفات مسبقة، قد لا تكون صحيحة، وعند التواصل المباشر، واتضاح الصورة، تتبدل المواقف!

نحتاج في الكثير من هذه المواقف والقضايا، للتأني في إصدار الأحكام، ولتذكّر أننا لا نملك الحقيقة المطلقة، وأن مرآة نظرنا للأمور بها العديد من النقاط العمياء، والتي لا تنعدم ولكنها تتقلص بالاطلاع والسؤال قبل إطلاق الأحكام المتسرعة، وهذا ما يقربنا من الوصول لعقلية أكثر نُضجاً قادرة على تفهّم مجريات الحياة المعقدة.

دكتوراه الإدارة الهندسية التكنولوجية