آخر تحديث: 21 / 11 / 2024م - 7:28 م

عندما يتنحّى الحب جانبا!

ليلى الزاهر *

تقلّبتْ على فراشها لم تغفُ عيناها لأنها تنتظر لقاء ابنها بفارغ الصبر فغدًا موعد زيارته لها، تحادثها نفسها قائلة: أحلمُ به، وعندما أضمه إلى صدري أشعر بتلاشي فروق الجسد واتحاد روحه بروحي. ابني الحبيب لم يتجاوز السابعة من عمره قُدّر له أن يعيش بين زوجين منفصلين. وفي حال وجوده بين أحضاني فإن عجلة الزمن تجري سريعا، فضلا عن رؤيتي لجفاء والده المرسوم على وجهه والذي ينقله معه في نفوره مني أثناء زيارته لي.

لا أعلم لماذا تعاني هذه الأم وأمثالها من غياب ولدها عن حضنها أولا ثم من جفائه وقسوته عليها ثانيا؟!

نحن نعلم ُبغض الطلاق عند الله تعالى، ونفهم جيدا تلك الحدود السامية التي وضعها الإسلام في ترجمة أحكام النكاح والطلاق بلغة لا تغيب عن جميع أفهام المسلمين إلا أن بعض الأيدي الخفية أو ربما الجاهلة تعمل على تشويه ذلك كله.

فعندما يغيب الود والحب بين الزوجين يظهر بريق الاحترام، ويُزرع الحب الضائع في المشاحنات والأحقاد بين طيات قلوب الأبناء لأنهم بحاجة إلى إعادة في التوازن الأُسَري وشحذ قوة الحب من جديد وتظهر هنا بصمات الحق التي يمليها ضمير الوالدين المنفصلين في تشويه سمعة بعضهما في نفوس أبنائهم.

يقول أحد أخصائي التربية النفسية:

عرضتْ له قصة، استخدم الزوجان فيها الطلاق السرِّي حتى لا يفسدا زواج ابنتهما وعندما انتهت مراسيم الزواج أعلنا نبأ انفصالهما بكل هدوء.

إن من أجمل لحظات الحياة عند الطفل الإحساس بالأمان بين والديه

لينمو بذور ذلك الإحساس في تربة صالحة بعيدة عن الفرقة المكانية فإذا وُجد الانفصال لابد من ظهور صور الاعتدال في المعاملة والبعد عن أبواق تزييف الحقائق، وعدم اختلاق الروايات الكاذبة التي تقدح في أحد الوالدين. إن ثرثرة أحد الوالدين على الآخر ليست عيبا وإنما مرض يُقسّي القلوب.

إن الرجال بأقوالها المناطة بالوعود والمواثيق، والنساء بمصداقيتها للأحداث وتربيتها المغربلة، وكما يقال: «التكلم بغير تفكير كالرماية بلا تصويب».

ومن جهة أخرى ظهرت لنا على الساحة الاجتماعية بعض صور الأم الأنانية ونحن بهذا الحديث لاُنجرّم الأم ونُبرّئ ساحة الأب لأنهما شركاء في التربية؛ ولكن لمكانة الأم في القلوب ولمنزلتها في القرآن الكريم وأحاديث الرسول الأعظم ﷺ ذلك كله يستلزم منا إنزالها حجمها الفعلي.

«أمك ثم أمك» لا ُتقال لأم سافرتْ مع زوجها لإتمام دراستهما ثم عاد زوجها بأولاده دون أمهم، لأنها فضّلتْ العمل هناك واختارت البقاء خارج سياج أسرتها واستهواها بريق الحضارة فباعت بثمن بخس أسرتها ووطنها.

«أمك ثم أمك» لاتُقال لأم أنانية تُغدق بسخاء على عملها وعلاقاتها الاجتماعية بينما تُقتّر العطاء داخل أسرتها جاهلة بحقيقة مهمة وهي إن الطائر الحرّ لا يُغرد إلا في سربه.

فإذا كانت مداراة الناس والتودد لهم صدقة، فحب الأسرة لا تحصره ثروات الأرض ولا تُعرّى قصوره الشاهقة عن جماله الحقيقي.