الرحمة مجمع الفضائل
إن قيمة الرحمة والرفق والشفقة والعطف من القيم الفضلى التي حَثَّ عليها الإسلام، وأمر أتباعه بالتحلي بها، والعمل بمقتضاها.
فرسالة الإسلام رسالة رحمة في مصدرها ومنهاجها وتشريعاتها وأحكامها، فقد وصف الله تعالى نفسه بالرحمة في قوله تعالى: ﴿الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ﴾[1] وقوله تعالى: ﴿وَرَحْمَتِي وَسِعَتْ كُلَّ شَيْءٍ﴾[2] .
وقال تعالى عن القرآن الحكيم: ﴿وَنُنَزِّلُ مِنَ الْقُرْآنِ مَا هُوَ شِفَاء وَرَحْمَةٌ لِّلْمُؤْمِنِينَ﴾[3] فهو شفاء ورحمة للمؤمنين.
وقال تعالى عن نبيه: ﴿وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِّلْعَالَمِينَ﴾[4] كما أن رسول الله وصف نفسه بالرحمة قائلاً: «إنما أنا رحمة مهداة» [5] .
وقال تعالى عن تعامل المؤمنين مع بعضهم البعض: ﴿أَشِدَّاء عَلَى الْكُفَّارِ رُحَمَاء بَيْنَهُمْ﴾[6] فالتعامل برحمة ورأفة ورفق من صفات المؤمنين، إذ يجب أن تسود الرحمة بينهم.
وقيمة الرفق من القيم التي حثَّ عليها الإسلام أيضاً، فقد قال رسول الله: «إن الرفق لم يوضع على شيء إلا زانه، ولا نزع من شيء إلا شانه» [7] وعنه أيضاً: «إن في الرفق الزيادة والبركة، ومن يحرم الرفق يحرم الخير» [8] وقال الإمام الباقر: «إن الله تعالى رفيق يحب الرفق، ويعطي على الرفق ما لا يعطي على العنف» [9] .
وقال رسول الله: «الرفق يمن والخرق شؤم» [10] ويصف هذا الحديث الرفق باليُمن، أي: البركة؛ لمِا لَهُ من دور حيوي وأثر نافع، والخُرق: الجهل والحُمق وهو ما يؤدي إلى المشاكل والآثار السلبية.
وقال رسول الله: «إذا أراد الله بأهل بيت خيراً أدخل عليهم الرفق» [11] وقال: «إن في الرفق الزيادة والبركة، ومن يحرم الرفق يحرم الخير» [12] وقال: «ألا أخبركم بمن تحرم عليه النار غداً؟ على كل: هين، لين، قريب، سهل» [13] وقال الإمام الصادق: «من كان رفيقاً في أمره نال ما يريد من الناس» [14] والأحاديث في مدح الرفق والرأفة والرحمة والعطف والشفقة كثيرة، وهذه الأخلاق من صفات المتسامحين، وأخلاق التسامح.
والرحمة مبعث الخيرات، ومجمع الفضائل، ومنبع المحاسن؛ فكلمة الرحمة في لغة العرب تدل على الرأفة والصفح، والرقة والعفو والشفقة.
والرحمة صفة من صفات رسول الله، وسمة من سماته البارزة، وعلامة من علاماته الفارقة؛ فقد جسّد قيمة الرحمة في جميع أبعاد حياته، قولاً وفعلاً، فهو المبعوث رحمة للعالمين ﴿وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِّلْعَالَمِينَ﴾[15] .
وقد أفاض النبي برحمته وعطفه وشفقته على كل ذي روح: على الإنسان، والحيوان، وحتى على النبات.
لقد كان رسول الله رحيماً بكل إنسان التقى به أو عاش معه أو جالسه أو صاحبه من مختلف الطبقات والشرائح: من الأحرار والعبيد، والشيوخ والأطفال، والرجال والنساء، والفقراء والضعفاء والمساكين.
وبعد أن استذكرنا قيمة الرحمة عند رسول الله وتجسيده لها قولاً وفعلاً، وهو الذي قال عن نفسه: «إنما أنا رحمة مهداة» [16] ووصفه القرآن الكريم في أكثر من آية بالرحمة كقوله تعالى: ﴿لَقَدْ جَاءكُمْ رَسُولٌ مِّنْ أَنفُسِكُمْ عَزِيزٌ عَلَيْهِ مَا عَنِتُّمْ حَرِيصٌ عَلَيْكُم بِالْمُؤْمِنِينَ رَؤُوفٌ رَّحِيمٌ﴾[17] وقوله تعالى: ﴿فَبِمَا رَحْمَةٍ مِّنَ اللّهِ لِنتَ لَهُمْ وَلَوْ كُنتَ فَظّاً غَلِيظَ الْقَلْبِ لاَنفَضُّواْ مِنْ حَوْلِكَ﴾[18] والغاية من بعثته المباركة الرحمة فقال تعالى: ﴿وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِّلْعَالَمِينَ﴾[19] .
إننا اليوم أحوج ما نكون إلى تفعيل قيمة الرحمة في جميع أبعاد حياتنا الخاصة والعامة، فنرحم بعضنا بعضاً، ونتعامل مع بعض برحمة وعطف ورأفة وشفقة بعيداً عن القسوة والغلظة التي تفسد العلاقات الاجتماعية العامة، وتدمر المجتمعات الإنسانية، وتؤدي إلى خلل في المنظومة الأخلاقية والقيمية.
والإنسان من دون رحمة يتحول إلى وحش كاسر لا يرعى حرمة لأحد، ولا يبالي بأية أخلاق أو قيم، وما نراه اليوم في مختلف المجتمعات الإنسانية من تزايد لحالات العنف والإجرام كالقتل والاختطاف والسرقة والاغتصاب وما أشبه، أو ما تقوم به بعض الجماعات المتطرفة والإرهابية من أعمال وحشية وإرهابية في مختلف البلدان إنما هو نتيجة لابتعادها عن سيرة الرسول الأكرم، وتخليها عن قيمة الرحمة والرأفة والتسامح، واتباعها لأسلوب القسوة والغلظة والفظاظة والعنف مما شوّه صورة الإسلام السمحاء أمام الرأي العام العالمي، وأعطى انطباعاً خاطئاً - بسببها - عن أخلاق الإسلام وقيمه العظيمة.
إن كل ملتزم بأحكام الدين الحنيف، وبسيرة رسول الله قولاً وفعلاً لابد وأن يكون ملتزماً بقيمة الرحمة والعطف والرأفة والشفقة على كل ذي روح - وخاصة الإنسان الذي كرمه الله تعالى - وكما كان رسول الله يفيض رحمة على كل من حوله، فليكن شعارنا كمسلمين «الرحمة» والعمل بمبدأ «الرحمة» وتفعيل قيمة «الرحمة» في كل جوانب حياتنا الخاصة والعامة.