آخر تحديث: 4 / 12 / 2024م - 10:12 م

ثقافة التحالفات

محمد أحمد التاروتي *

تشكيل التحالفات، او الكيانات على اختلافها، امر متعارف ومألوف، في جميع المجتمعات البشرية، فالتحالفات تشكل احد مصادر القوة، والفخر، والاعتزاز بالنفس، فيما التحرك بشكل فردي، يجلب الهوان، والضعف، والانهزام في المعارك غير المتكافئة، الامر الذي يفسر تحرك الانسان، لتوسيع قاعدة نفوذه، والبحث عن الحلفاء، لتعويض الضعف الذاتي ”الاتحاد قوة“.

بناء التحالفات، او الكيانات، ينطلق من مشتركات، او مخاوف، او مصالح، فهناك تحالفات تجمع الاقوياء، انطلاقا من المشتركات في الحفاظ، على التوازنات القائمة، بحيث تتحرك تلك الكيانات، بهدف توزيع دائرة النفوذ، والحفاظ على المساحات الجغرافية، لكل طرف من الاطراف، اذ برزت هذه الظاهرة، بعد انتهاء الحرب العالمية الاولى، حيث تقاسمت الدول الكبرى، مناطق النفوذ والمستعمرات، كما تكررت هذه الظاهرة، في اعقاب الحرب العالمية الثانية، اذ توزعت مغانم الحرب، بين معسكر غربي ”الولايات المتحدة“، واخر شرقي ”الاتحاد السوفياتي“.

المشتركات السياسية، والاقتصادية، والعسكرية، واحيانا الثقافية، تمثل عناصر اساسية، في بروز بعض التحالفات، على الساحة الدولية، فالدول على اختلافها، تبحث عن القواسم المشتركة، لتدعيم التحالف، خصوصا وان العمر الزمني للتحالف، ليس مؤقتا او طارئا، مما يستدعي وضع الاسس الكفيلة، لاستمراريته على الخارطة الدولية، فهناك الكثير من الكيانات العسكرية، والاقتصادية، والسياسية، برزت للوجود، منذ عقود طويلة، وما تزال قائمة، وتقاوم جميع التيارات المعاكسة، والتحديات التي عاصرتها، نظرا لوجود مشتركات، قادرة على تجاوز المصاعب، الامر الذي يفسر استمرارية المجموعة الاوروبية، او حلف الناتو، او غيرها من التحالفات الدولية الكبرى، على الساحة العالمية.

وهناك تحالفات تقوم على الحماية، وبسط النفوذ السياسي، فالطرف الضعيف، لا يجد مناصا من التسليم، لارادة القوي، من خلال تقديم فروض الطاعة، مكرها احيانا، وصاغرا احيانا اخرى، خصوصا وانه لا يمتلك من امره شيئا، مما يجعله اداة طيعة في يد الطرف الاقوى، وبالتالي فان هذه النوعية من التحالفات، تمتاز بالخضوع، وعدم التكافوء، بمعنى فانها تمثل نوعا من ”العبودية“ السياسية، او الاقتصادية، او الثقافية، حيث برزت هذه الظاهرة، خلال حقبة الحرب الباردة، بين امريكا والاتحاد السوفياتي، فالاخير بحكم سطوته العسكرية، والسياسية، فرض الأيديولوجيا الشيوعية، على الدول الواقعة تحت نفوذه، فيما ساد النظام الرأسمالي، المعسكر الغربي الواقع، تحت نفوذ امريكا.

المصالح تمثل عنصرا اساسيا، في تشكيل التحالفات، القائمة بين الدول، فالتناقضات الكبيرة، بين الدول المنضوية تحت التحالف، لا تشكل في احيان كثيرة، عنصر معرقل، لتوسيع القاعدة، حيث تتحرك كل دولة، من منطلقات مصلحية، بالدرجة الاولى، بمعنى اخر، فان المشتركات ليست قاعدة ثابتة، في عالم تحركه المصالح، فهناك بعض الدول ترى مصلحة استراتيجية، في الانضواء تحت لواء التحالف القائم، خصوصا وان المخاوف، من بعض الاطراف القوية، يدفع لطلب المساعدة، من الطرف القادر على ممارسة ”الردع“، الامر الذي يصب في المصلحة الوطنية بالدرجة الاولى.

كاتب صحفي