جرائم تعذيب الضعفاء
العرب في «جاهليتها» كانت تحتشم من ضرب النساء والأطفال، بل تجعله من أفعال الخزي والعار الذي يلاحق فاعله، ويتتبع هذا الخزي ذريته من بعده، حتى إن أبا جهل لما قال عصبة من رجال قريش باغتيال النبي المبعوث فيهم محمد ﷺ واقتحام منزله، رد عليهم بالرفض قائلا: ”إن فعلت لسوف تعيرني العرب بأني روعت بنات محمد...“.
كان ترويع النساء والأطفال، فضلا عن الضرب هو من الخزي والعار الذي يتعفف منه أمثال أبي جهل، وأبي لهب.. ورجال قريش وهم أبناء جاهلية وليس لهم من معبود غير إله من حجر منحوت، وإله من تمر مصنوع في هيئة إنسان أو حيوان!
تذكر هذا وأنت تشاهد مناظر تعذيب طفلة عمرها ثلاثة أشهر.. على يد والدها! وعشرات من المشاهد المماثلة لأطفال تنال من العذاب ما لا يحتمله قلبك، ولا تستطيعه نفسك! ذاك العذاب الذي يتكرر حتى على الحيوانات الضعيفة العاجزة التي لا تملك القدرة للرد عن نفسها، وقد أحكم وثاقها، وهي تواجه ألوان العذاب المفضي إلى أشنع أنواع القتل وأبشعه.
لقد تحول العرب بعد 1400 عام من الإسلام إلى أسوأ من جاهليتهم القديمة! كان الرجل في الجاهلية يأتي ليدخل خيمته فيجد بابها قد استدار نحو وجهة أخرى، كناية عن انصراف رغبة زوجته عنه، فيرجع من حيث أتى ولا يعقب.. إلا بالذكر الجميل، وحفظ العشرة ورعاية حرمتها! واليوم تزدحم المحاكم بقضايا التعليق، وقضايا فضح ستر الزوجات، وقضايا تعذيب الأطفال وهم في المهد نكاية في أمهاتهم وانتقاما منهن.
كل جيل يأتي يتربى على أنه يحمل فيما يحمل مسؤولية شرف القبيلة وشرف اسمها، وشرف أجداده منها، وما نالوه بأخلاقهم ومروءتهم وكرمهم وعفة أنفسهم.
كان الشريف الذي ينتهي نسبه إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم يلقن صغاره دائما عبارة، احفظ نسب رسول الله فيك.. فهو أمانة عندك.. سيحاسبك الله عليها أشد الحساب، وكان الأحنف بن قيس يقول لأبنائه دائما، اعرفوا أنفسكم.. إن لم يتعرف الناس عليكم.. يعني لا تنس نفسك إذا اغتربت فأنت ابن الأحنف بن قيس ويجب أن تعرف دائما قدرك ومكانتك ومنزلتك. ولا تقبل أن تكون غير نفسك المحترمة إن تباعدت أو اقتربت، إن حضرت أو غبت، إن ظهرت أعين كثيرة. أو تواريت عن كل عين.
أما أن الأمر قد بلغ هذا المبلغ، وانتهى إلى هذا المنتهى.. فإن العقوبة الظاهرة، المستعجلة التي لا يموت معها حرارة الذنب، التي تعقبه، وتأتي مباشرة خلفه.. جلية كوجه الشمس. ظاهرة كوجه الحق وقوة الانتصار إليه.
أشهروا صورهم، أظهروهم، كما هم، وكما هي حقيقتهم.. من لا يستحيي من الله ولا من نفسه، لن يستحيي من الناس، أو من أحد. واجعلوا العقوبة تأتي كحرارة الحديدة التي توقد لون غضبها من جمر تلظى. إن قوما تردهم النظرة عن الخطأ.. وآخرين علوج بغير السوط المنقوع في ملح خشن، لا يرتد عن بغي، ولا يترفع عن ظلم ضعيف.. أو تعذيب رضيع!