معراج لذة القرب الإلهي، ح/ 3
أهم الوظائف الروحية الإسلامية:
لا شك أنّ ”الصلوات والادعية، وهي من أهم الوظائف الروحية الاسلامية، إنما هي سبل التوجه الى الله وتوثيق الصلة به، توحي للنفس الجري في مسالك الخير والسداد.“ [1]
وعلى حد تعبير السيد الإمام - قدِّس سره - فإنّ الصلاة تعتبر من أهم الوسائل العلاجية ”لمعالجة الآلام والنقائص النفسانية بأسرها“! [2]
ولهذا، نجد الملا صدرا يعتبر أنّ ”أفضل العبادات البدنية الصلاة؛ لكون روحها أفضل، ونقاء الروح يدل على صفاء الجسد، وبالعكس، لأنّ إشراق البيت على قدر شروق السراج، ودلالة شروق السراج على شروق البيت على نسبة شروقه.“ [3]
كما يرى - قدِّس سره - أنّ ”روح الصلاة“ هي" المعرفة بالله، وهي أفضل المعارف، لكونه معروُفها، وهو ذات الله - جل جلاله - أفضل المعروفات، ولهذا لا يسقط عن المكلّف لعذرٍ ما، حتى عند موته، كما أنّ المعرفة لا تسقط في وقت ما، بل يتوجه عليه دائمًا في الدنيا والعقبى، كما قال عيسى - : ﴿وَأَوْصَانِي بِالصَّلَاةِ وَالزَّكَاةِ مَا دُمْتُ حَيًّا﴾ مريم، 31
أي أوصاني الوحي الإلهي بالتزكية والتخلية ما دمت حيّا، والحياة للنفس الناطقة دائمة، إذ هي لا تموت بموت الجسد كما عرفت، فلا تفهمن من الحياة المذكورة في الآية: الحياة الدنيا، بل ما خُلق الإنسان إلا مجبولًا عليها، كما قال تعالى: ﴿وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ﴾ الذاريات، 56.
ولهذا قال - ﷺ -: ”الإيمان بضع وسبعون شعبة، فأفضلها قول لا إله إلا الله“ [4]
كما يرى «ملا صدرا» أنّ لكل واحدة من الطاعات والعبادات البدنية روحًا وجسمًا، فيعتبر أنّ للصلاة والذكر والتسبيح والتهليل روحًا وجسمًا، فالجسم، هنا، هو بمثابة ”الحركات المحسوسة السكنات الظاهرة، ولا يخلو هذا النوع من مشاركة بين الخالق والخلق يسمى رياء، إذ هو منظور لكل أحد، ويسمى شركًا خفيًا، ولهذا قال - ﷺ:“ الشرك في أمتي أخفى من دبيب النملة السوداء على الصخرة الصماء في الليلة الظلماء" [5] .
وأما روح الطاعات والعبادات، فيرى ملا صدرا - قدِّس سره - أنّه يتمثل في ”الإخلاص الكامل والنية الباطنة، وهو المحسوب من الطاعتين [الأبدانية، الروحانية] لا غير، في الموازين القسط، وما سواه فهو في ميزان ما عمل له، كما قال في الحديث القدسي:“ من عمل عَمَلًا أشرك فيه معي غيري، تركته وشركه ”، ولهذا قال تعالى: ﴿أَلَا لِلَّهِ الدِّينُ الْخَالِصُ﴾ الزُّمر، 3 وقال: ﴿فَمَن كَانَ يَرْجُو لِقَاءَ رَبِّهِ فَلْيَعْمَلْ عَمَلًا صَالِحًا وَلَا يُشْرِكْ بِعِبَادَةِ رَبِّهِ أَحَدً﴾ الكهف، 110، إلّا أنّ الطاعات الأبدانية قناطر العبادات الروحانية، [قد] رُبطتْ عليها للعبور إلى رياض الإخلاص الباطني، كما قال - ﷺ -“ الرياء قنطرة الإخلاص" [6]
ويستدل ملا صدرا على روح العبادات قائلًا: ”وَمِمَّا يدل على أنّ لكل عبادة من هذه العبادات الظاهرة روحًا هو المقصود بالذات، وما سواه مقصود له، قوله تعالى: ﴿إِنَّ الصَّلَاةَ تَنْهَىٰ عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنكَرِ﴾ العنكبوت، 45، وهذا جسد الصلاة.“ [7]
وقد يقول قائل: ”نرى أنفسنا أنَّنا بعد ما صلّينا سنين لا ننتهي عن الفحشاء والمنكر، مع أنّ القرآن ينص بأنّ الصلاة تنهى عنهما، ولا نقدر أن نكف أنفسنا عن معصية صغيرة؛ فتبيّن أن صلاتنا ليست بصلاة، وفقًا للقاعدة المقرّرة في المنطق، فإذا قلنا بأن النار تحرق فنقيضها هو ما لم يحرق فليس بنار، كذلك إذا ذكر القرآن ﴿إِنَّ الصَّلَاةَ تَنْهَىٰ عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنكَرِ﴾ العنكبوت، 45، فما لم يَنْهَ فليس بصلاة، بل لا بدّ أن نقول: إنَّهُ صورة محضة تشبه الصلاة.“ [8]
وبالتالي لا تتحقق للصلاة روحها وروحانيتها، ولهذا يرى ملا صدرا أنّ ”قول الله تعالى: ﴿وَلَذِكْرُ اللَّهِ أَكْبَرُ﴾ العنكبوت، 45، هذا روحها، وقد وُصِف [أي الذكر] بكونه الأكبر، لأنّ المراد بالذكر ذكر القلب دون لقلقة اللسان، والقلب لمّا كان أشرف الأعضاء، وجب به أن يكون طاعته أكبر وأفضل من غيره.“ [9]
ولكنه مع الغفلة لا تتحقق للصلاة روحانيتها ”وكثير من المصلين يصلون الصلاة، ولكن لا يدرون لماذا يصلّون؟ وماذا ينتفعون من الصلاة؟ وما تصنع الصلاة بأرواحهم وأنفسهم؟ وبعبارة أوضح حيث أنهم لا يدرون لماذا يُصَلُّون وهم عن المقصد الأصلي للصلاة غافلون؛ فلهذا لا ينتفعون بها، وهذه العبادة العظيمة الجليلة إمّا أنّها لا تؤثر في نفوسهم أصلًا أو أنّ أثرها إن كان فقليل غير محسوس. كما قال الرسول الأكرم - ﷺ -“ نقر كنقر الغراب ”فيبدؤون بالصلاة مع الغفلة ويختمونها بالغفلة. ومن المعلوم أنّ الصلاة بهذه الصفة لا تكون منّورة للقلب ولا مقوية للروح.“ [10]
فالعمدة، كل العمدة، على الصلاة، أوّلًا، وتحصيل شرائطها الروحية - كما يرى السيد الإمام - قدِّس سره - ولذا تراه يقول: ”فإنّ غير الصلاة من الوسائل لمنقطع إنْ انقطعت هذه الوسيلة.“ [11] ، ولذا ورد المعطى الإسلامي، في المقام، ”إنْ قُبِلتْ قُبِل ما سواها، وإن رُدّتْ ردّ ما سواها.“ [12]
ولا بد أنّ نعلم أن سعي الإنسان، مهما تحمّل من التعب والمشقة، لتحصيل ”الشرائط الروحية لصلاة أهل المعرفة“ [13] - كما يقول السيد الإمام - قدِّس سره - يتوقف على مسألة مهمة؛ ألا وهي عدم ”الاقتناع بصورة الصلاة، وقشرها“ [14] ، حتى لا يشمل الإنسان ”الحرمان من بركاتها وكمالاتها الباطنية؛ التي توجب السعادة الأبدية، بل إنها توجب جوار ربّ العزة، ومرقاة للعروج إلى مقام الوصول بوصل المحبوب المطلق، الذي هو غاية آمال الأولياء، ومنتهى أمنية أصحاب المعرفة وأرباب القلوب، بل هو قرة عين سيد الرسل - ﷺ -“ [15] الذي استطاع - ﷺ - أن يكتشف لنا هذا العلاج، و”هذا المعجون الإلهي الذي اكتشف بالكشف التام المحمدي؛ لمعالجة الآلام والنقائص النفسانية بأسرها.“ [16]