معراج لذة القرب الإلهي، ح/ 2
تقدّم الحديث، في الحلقة السابقة، في «معراج لذة القرب الإلهي»؛ أنّ الإنسان المؤمن يشعر بأنّه بحاجة إلى تغذية من نوع آخر فوق الحس وفوق المادة، ولذلك " تظهر الحاجة إلى الله تعالى في صورة الدعاء والمناجاة، فالدعاء عبارة عن استغاثة ملهوف، واستغاثة متأزم، ونشيد الحب، وليس عبارات لا نفهم معانيها.
إنَّ أثر الدعاء إيجابي في الغالب. وكأن الله يستمع لنداء الإنسان ويجيبه بصورة مباشرة.. تقع حوادث فجائية، يعود التعادل الروحي إلى توازنه، تفقد الحياة وجهها الخشن الظالم وتلين، تنبع قدرة عجيبة من أعماقنا وتتصاعد.
إنّ الدعاء يمنح الإنسان مقدرة؛ لتحمل الآلام والمصائب، وعندما تنعدم الكلمات المنطقية لتهدئة الإنسان، فإنه هو الذي يبرز؛ ليبعث التطامن في نفسه ويمنحه القوة للوقوف أمام الحوادث. " [1]
ولذلك ”تختلف دنيا العلم عن دنيا الدعاء، ولكنهما لا تتباينان، كما أن الأمور العقلانية لا تتباين مع الأمور غير العقلانية، هذه المظاهر مهما خفيت عن الإدراك فإننا يجب أن نعترف بوجودها“ [2]
فمن منّا لا يشعر بأنّه بحاجة إلى غذاء فوق الحسيّات وفوق الماديات، خصوصًا في هذا الزمان، وهذا العصر الذي يسمى ”عصر الذرة والعلم على ما يقولون حيث تستولي قوى الأنانية الشرّيرة المتصارعة على الصعيد الفردي والعالمي فتزيد الإنسانية قلقًا ووحشة واضطرابًا بتطوّر الاختراعات المادية الجبّارة ورقيّها، [ولهذا] يتعاظم الإحساس بالحاجة الى التخلق بالخصائص الروحية الخيرة وتقوية العلائق بالله العظيم؛ ليصفو جو الانسانية من النكبات والكدورات وتتحوّل بذلك هذه الوسائل المادية التي اصبحت ويلات على البشرية الى بشائر الخير والسعادة والهناء، وتصبح الدنيا الشريرة المتصارعة بذلك جنّة النعيم.“ [3]
وكما قال السيد الإمام - قدِّس سره - " فإن هذه الآلات والأدوات والاختراعات المحيرة للعقول؛ التي أعطاها الله تعالى لأوروبا، اليوم لو استفيد منها بتدبير العقل، وتحت راية الدين الإلهي؛ لصار العالم كله نوراً وعدلاً.
ويمكن أن يؤمن سعادته الأبدية بالروابط الحسنة، ولكن مع الأسف؛ هذه القوى المخترعة، هي تحت سيطرة الجهل والشيطنة، وحب النفس، وكلها تستعمل ضد سعادة النوع الإنساني، وخلاف نظام المدينة الفاضلة. وما كان من شأنه أن ينير العالم؛ فقد جعله في الظلمة والمسكنة.
ويسير الإنسان في طريق الشقاء والذلة والتعب، حتى ينتهي إلى أين؟!
ومتى يتخلص هذا المجتمع المسكين، من يد أفراد حيوانيين على صورة الإنسان، لا بل هم عار على الحيوانية؟ ومتى تلبّى هذه الحاجة، وتتنور هذه الدنيا المظلمة بالنور الإلهي لولي مصلح كامل: ”اللهم عجل فرجه الشريف، ومنَّ علينا بظهوره“ [4]