تأمُلات في ظاهرة العنف ”1“
هل العنف الصادر من الفرد ينبع من أنه الفرد تعرض للألم، لذا يتولد منه أن يكون عنيفًا في اتجاه الآخر أو في اتجاه نفسه، أم أنه يمثل مشكلة نفسية تُعنى بكونه يشعر بحالة النقص التي يهفو من خلال العنف أن يملأها كرغبة إشباع. إن العنف له دلالاته الكثيرة، سواء في الأسرة أو المجتمع أو الذات. في العادة تتناول قضية العنف من خلال الشخصية التي تمارسه، وهذا له جنبة تحليلية منطقية، ولكن السؤال الذي يبزغ في الأفق، ماهي الأسباب التي جعلت من هذا الإنسان أن يكون عنيفًا. لعله من وجهة نظرنا القاصرة، نرى أن الأسرة، هي المعنية بالضرورة بمكان عن هذا العنف لدى الفرد، وكما يذكر علماء النفس والاجتماع، أن الأسرة تشكل اللبنة في نسج إنسان صالح يخدم دينه ومجتمعه ووطنه.
إنه قد يصدق القول مجازًا، أن بناء الأسرة كزوجين في بدايتها، مُتوافقة ثقافيًا وتربويًا وفكريًا، ليصهرها امتزاجًا يسوده الحب تسودها الألفة، استيعاب الآخر بنظيره الإنسان، سيجذر مما لا يدع مجالاً من الشك إلى ثقافة نظرية وعملية تزرع في ذاتية الطفل أو الإنسان بالأحرى. إن البكاء على الأطلال، وهي الوقوف على النتائج السلبية المُترتبة على العنف بدون تفعيل عنصر الدراسة، بكونها ظاهرة سلبية تقض مضجع المجتمع، لاستكشاف خيارات تُحل، تنقذ المجتمع من هذه الآفة.
نبدأ من الأسرة، نُغذي أبنائنا الحب والتسامح واحتواء الآخر، نغرس في ذاته بأنه يُشكل فردًا من مجتمع، ليشعر بحالته الجمعية لا الفردية. وعليه فإن الكثير من ظواهر العُنف تكون أسبابها في بعض حالاتها هشة لا تستدعي كل هذه الغضبية. إن وجود ثقافة رادعة للعنف سواء اللفظي أو الجسدي، حتمًا سيقلل من هذه الظاهرة البشعة.
إن العنف اللفظي لا يقل مأساة عن العنف الجسدي. إن اللفظي ينحر كل الأمل والحلم والطموح والتميز والإبداع، وهذا يسكب بلواه على المجتمع، الذي يرقى بهذه الأجيال جيلاً بعد جيل. إن ما يُبصر من أحداث موجعة لضحايا العنف، تضع المثقفين والتربويين وغيرهم من النُخب أن يولوا هذه الظاهرة جل اهتمامهم، لرفع المأساة عنهم. إن القيم الإنسانية، التي جاء بها الإسلام، لهي خط الاستواء، الذي يُرشدنا إلى الضفة الأخرى - اللا عنف -، التي لا نبصر فيها العنف. إن تفعيل النواحي الإيجابية في الأسرة ومعرفة ما لك وما عليك واحترام خصوصيات الآخرين، لكانت القناعة سبيلاً يُتبع.
إن اللغة بدلالاتها في الإعلام وقنوات التواصل الاجتماعي - السوشل ميديا -، بحيثياتها ومُعطياتها، حين تكون لغة تتسم بالقيم والمبادئ، سعيًا في نشر الثقافة الواعية، والتجاذبات الأسلوبية المعجونة باحترام الآخر، مُبتعدة كل البعد عن الاستفزاز اللفظي، وكل ما من شأنه أن يُغذي ظاهرة العنفُ الأسري أو الاجتماعي. فإنه سنُهيئ بيئة صحية، رافضة - العُنف -، إياه بالكلمة والموقف التربوي والاجتماعي والثقافي.