آخر تحديث: 22 / 11 / 2024م - 1:35 ص

علاقة الجهل بالخرافة

حسن آل جميعان *

كثيرة هي القصص والحكايات التي نسمعها ونطرب لها لكننا في الحقيقة لا نعرف مصدر لها إلا في المخيال الشعبي الذي تروج فيه هذه القصص التي في الوهلة الأولى يرتاح ويأنس لها الشخص حين سماعها لكن بعد فترة وجيزة يرفضها العقل ويشكك في إمكانية حصولها لأنها تخالف العلم، لكن البعض منا يقف حائر أمامها لما تملك من سلطة رمزية في المجتمع مما يجعل التشكيك فيها تشكيك لمن قالها أو للمجتمع الذي يعتبر مثل هذه الخرافة جزء من هويته وأعرافه التي نشأ وترعرع عليها وهذا مايعقد المشكلة أكثر وأكثر خاصة وأنها أصبحت أرث يصعب التخلص منه أو رفضه.

ما دفعني لكتابة هذا الموضوع هو قرائتي رواية مدن الملح للروائي عبدالرحمن منيف حيث يسرد مشهد في الرواية لأحد شخصايته في الرواية يسمى ابن نفاع الذي يحيل كل تغيير حصل في مدينته ”حران“ إلى العفاريت مهما كان حجم هذا التغيير كبيرا أو صغيرا قدوم الأمريكان إلى المدينة المنظار الراديو السيارات كلها بسبب العفاريت لاشيء غير العفاريت لدى ابن نفاع هو السبب، سنستشهد بمشهد لابن نفاع في الرواية يوضح الفكرة يقول منيف على لسان ابن نفاع: ”حين سمع ابن نفاع بهذا الذي يتناقله الناس عن المنظار المقرب، الذي يتيح لمن يقف على شاطئ البحر أن يرى القمحة في أبعد مكان من التلال الغربية، وكيف يمكن النظر إلى النجوم في الليل وكأنها معلقة فوق الرؤوس، حين سمع ابن نفاع بهذا صرخ بغضب:

صارت الدنيا بآخرتها. وما عاد الإنسان يخاف من كتاب وحساب أو من رب العباد.

فلما سأله بعض الناس لماذا يفكر بهذه الطريقة هز رأسه بحزن يبلغ حد الأسى وأجاب:

منذ إن جاء الأمريكان جاءت معهم العفاريت والمعاصي والمصائب، ولا أحد يعرف ماذا سيحصل في الأيام الآتية...“

ابن نفاع هو شخص لكنه يعكس واقع مجتمع يعيش الجهل ويرى الكثير من التغيير يحصل أمامه ولا يجد تفسيرا عقليا مقنعا للأحداث التي تجري وبسرعة مهولة جدا ومما عقد الأمر سوءا هو غياب التعليم أي أن المجتمع في ذلك الوقت يعاني من غياب التعليم والمدارس وبالتالي انتشار الجهل مما ساهم وبشكل كبير إلى ازدياد الخرافة التي تساهم في تخفيف وقع الأحداث المتسارعة على ذلك المجتمع وتضيف أيضا تفسيرا مريحا لما يجري في تلك البلدة الوادعة قبل الطفرة النفطية لكنها بعد ذلك أصبحت بلدة صاخبة بالأحداث والأشياء الجديدة التي يصعب تفسيرها منطقيا غير أن الخرافة كانت هي الحل الأنجع في ذلك الوقت لكي ترتاح النفوس والعقول من هول ما تراه وتشاهده كل يوم.