الرؤية والتحول الثقافي
ينشغل المجتمع بالمكون الاقتصادي، الذي سيأتي من خلال الرؤية التي طرحها ولي ولي العهد الأمير محمد بن سلمان، خلال الأيام الماضية، في حين أن الوضع الثقافي يعتبر الجزء الأكثر وعياً لتكامل تلك الرؤية كي يستطيع المجتمع أن ينتقل في مراحله المقبلة نحو استراتيجية بنائية لكافة التحولات الإنسانية المقبلة.
لقد حملت وثيقة الرؤية طموحات كثيرة، يتحدث عنها كافة شرائح المجتمع، ولعل التعليم والثقافة والفنون، هي التي ستكون الأكثر وضوحاً للمواطنين من خلال المتغيرات التي يُنتظر تحققها في مجتمع 2020 حيث إن التعليم هو الأقرب إلى تلك الهوية الجديدة، ولعلنا نتحدث عن ذلك في مقالات أخرى، فمجتمعنا في حاجة إلى كثير من المتغيرات الداخلية التي تؤثر على الفرد قبل الاقتصاد، ولعلنا نتفاءل بما يتم طرحه عن الوضع الاقتصادي حيث الكفاءات الوطنية القادرة على صناعة اقتصاد جديد، لكننا في نفس الوقت في حاجة إلى تفاعل أكثر مع الوضع التعليمي والثقافي.
من الناحية الثقافية، تمتلك المملكة اليوم عدداً كبيراً من المراكز الثقافية المهمة وهي مقسمة بين أندية أدبية، وجمعيات للثقافة والفنون، ومراكز ثقافية، حكومية - وأهلية، لذا أعتقد بأننا في حاجة إلى دراسة المرحلة السابقة من حيث المتحول الثقافي، وما قُدِّم للمتلقي، وكيف استطاع الالتحام مع تلك المؤسسات التي اجتهدت في تقديم رؤى قد تكون أصابت في بعضها، وأخفقت في جوانب أخرى، لذا نحن في حاجة إلى إعادة دراسة ما تحقق من المنجزات الثقافية، والسعي نحو تقديم منجز جديد أكثر فاعلية، وقد لاحظنا بأن الرؤية حملت فكرة الخصخصة لبعض الأجهزة المملوكة للدولة، وربما نكون في حاجة اليوم إلى وضع ثقافي يشارك فيه أيضاً كافة المثقفين في المملكة، وليس بعضهم، حيث إن هذا التفاعل أصبح شبه مفقود، بينما يكون الاجتهاد أكبر في الملتقيات الأهلية لقربها من شرائح المجتمع، كما نرى أن هناك «عزفاً منفرداً»، تجتهد فيه جمعيات الثقافة والفنون بكافة فروعها في المملكة، التي تحاول أن تنقل الإبداع إلى المجتمع والشارع عبر المهرجانات الدولية والعربية، حيث تحصل على جوائز ويتم تكريمها على ما تقدمه من إبداعات مسرحية وسينمائية، ولكنها مع الأسف لا تتلقى الدعم من الجهات الرسمية، التي دعمت الأندية الأدبية بمبالغ «مليونية»، لم تُقدم مثلها إلى الفنون بكافة فروعها «مسرح، تشكيل، سينما»، رغم أنها تعتبر أكثر قرباً من شرائح المجتمع من حيث المشاركة، فهي تُقدَّم للجميع، وتنتقل من منطقة إلى أخرى عبر تلك المهرجانات التي تشارك فيها، ولعل الدعم المالي هو الأهم لهذا المنطلق الثقافي والفني الذي نحن في حاجة إليه في المرحلة المقبلة.
كي نستطيع أن ننقل الرؤى التحولية إلى الشارع السعودي فإننا في حاجة إلى مزيد من المهرجانات والدورات التدريبية الخاصة بممارسة كافة الفنون الإبداعية، وهذا لن يأتي إلا من خلال دعم واعتراف شرعي بهذه المهرجانات، وعدم اعتبارها مجرد حالة تكميلية، بل أساسَ الصناعة الثقافية للمجتمع، وتقديم الدعم المعنوي لها من قِبل الجهات الرسمية كي تنتقل في المرحلة المقبلة إلى مؤسسات المجتمع المدني التي ستكون الرقيب الكامل على ما يتم تقديمه من رؤى تحوُّلية نحو الهوية الجديدة التي نأمل في أن تكون سريعة في مجتمع متعطش للتغير.