لا تخادع نفسك
بينما تحاول أن تجهد نفسك في كتابة ربما تكون قريبة من القارئ، متأملاً تلك الأخبار التي تملأ صفحات الجرائد بشكل يومي وتكررها على مسامعك نشرات الأخبار محاولة إقناعك بأن عدد القتلى هذا اليوم زاد عن يوم أمس بعشرة، ربما يصبح عددهم اليوم كضحايا للطبيعة والبطش العسكري والإرهاب المغلف بعباءة الدين ما يزيد على 300 أو ربما يزيد قليلاً فيصبح 500 إنسان.
أصبح الإنسان في وسائل الإعلام مجرد رقم يذكر ضمن نشرات الأخبار، الحديث عن الإرهاب والحديث عن الطائرات العسكرية وعدد الطلعات، ولا ننسى بين الحين والآخر سقوط طائرة هنا أو هناك وتصادم حافلة يذهب ضحيتها عدد من الضحايا. هكذا أصبح الإنسان في القرن الحادي والعشرين مجرد رقم في نشرات الأخبار، بعيداً عن أي حالة إبداعية، كما نجد أن أي خبر يدعو للفرح أو حتى شيء من التفاؤل في ذيل الصفحة «ليست صفحة الوفيات، بل صفحة الحوادث ربما».
أصبحت وسائل الإعلام اليوم تبتعد عن البحث عن المهرجانات وتصطاد في المياه «المعكرة»، تبحث عن ضحية سقطت في البحر أو نتائج إعصار كي تكرر قبل منامها «لا حول ولا قوة إلا بالله».
لم تعد وسائل إعلامنا اليوم تهتم بأي نوع من المهرجانات الثقافية أو الإبداعية أو حتى المهرجانات الفنية الحقيقية، ولا أقصد هنا حفلات ملاعب كرة القدم والمنتهية بتقاذف العلب الفارغة على الفرقة التي ربما حاولت «إسقاطهم» في ذاكرة الوطن العربي عبر أغنية «السح الدح إنبو..»، ربما يقول أحدهم إنك تعود للقرن الماضي بما تذكر؛ فقد ذهب عدوية في «شربة نار»، ولكنه أسس لحالة الهبوط العربي، وتنحدر السلسلة فيأتيك شعبان بفكرة «المكواة، البواب» ويتنوع في لبس النظارات الحمراء والزرقاء وكأن العالم لا يستطيع أن يرى.
جميعها هوابط عربية أتت بها وسائل الإعلام التي ادعت النزاهة ذات يوم لكنها هبطت إلى ما يطلبه الجمهور، ولكن أي جمهور بعدما أخذوا الجمهور معهم في حالة من الهبوط «الصاروخي»، نحو منحدرات أكثر انكساراً في الوضع الذي يحتاج إلى حالة من الترميم، وهنا لا نعلم هل نرثي لحالنا أم نتباكى على «الجمهور عاوز كدة»، وهناك حالات عربية لم تعرف الكهرباء حتى اليوم ولا تستطيع تأمين قوت أطفالها، بينما يتبارز البعض بأكبر صحن من «التبولة»، وآخرون بأكبر صحن «مندي»، وفي قنوات التحريض مازلت ترى صراع الديكة على أحقية دخول الجنة والبحث عن شخصيات يستطيعون تناولها بالقذف والشتائم كي يستطيع المقدم أو المذيع الذهاب إلى سريره «قرير العين» بعد أن قذف كافة الأديان والمذاهب التي تختلف معه وألقى بها في الجحيم.
أي وضع قد نعيشه ونستطيع تربية جيل المستقبل عليه وهذا هو حال إعلامنا: تباكٍ في مقالات الكتّاب على حالة «الدعشنة» التي يعيشها الجيل ووضع حلول لا أحد يستمع لها، القبض على عدد من المهربين والإرهابيين، وجميع الحلول التي يتم تقديمها في المؤتمرات المغلقة توضع في الأدراج المعتمة.