آخر تحديث: 22 / 11 / 2024م - 9:31 م

القيادات الدينية الخطاب والأداء الاجتماعي

يحتل العلماء في المجتمعات الإسلامية مكانة كبيرة نظرا لما يحملونه من علم يرجع إلى كتاب الله وسنة رسوله ﷺ مما يضفي قداسة واحترام عليهم، ولما يحتله العالم من تقدير الناس له وتبجيلهم العلم الذي شرف الله به عباده وكرمهم به، من هنا فأن على العلماء أن يواكبوا المتغيرات والأحداث المستجدة وبشكل مستمر حتى لا تكون هناك فجوة بينهم وبين عامة الناس، لذلك فأن على العالم أن يحدث من إمكاناته وأدواته لكي يخاطب العقل الجديد الذي تشكل جراء التغيرات التي حصلت في هذا العالم من تطور في التقنية وشتى العلوم الأخرى التي تحتم علينا تقبلها وقراءتها قراءة موضوعية خالية من التعصب والغلو ونستثمرها في خدمة الإسلام بدل رفضها والقطيعة معها.

من هنا فأن سماحة الشيخ حسن الصفار في كتابه "القيادات الدينية والخطاب والأداء الاجتماعي، على ضوء مصادر فقه الشيعة الإمامية "الصادر عن أطياف للنشر والتوزيع، يشير إلى أن على العلماء عدم تجاهل النقد والاعتراض لأن ذلك يعني اتساع رقعتها وإضعاف الحالة الدينية وانحسار دور العلماء وحصول ردة فعل من الجيل الجديد تجاه الدين.

ويقول أيضا أن المنحى الصحيح الذي يجب أن تسلكه المؤسسة الدينية هو استقبال النقد والتساؤلات برحابة صدر ودراستها بموضوعية والإجابة عنها بوضوح والإقرار بمواقع الخطأ والسعي للمعالجة والتصحيح وتشجيع النقد الذاتي في الوسط الديني انطلاقا من التوجيه النبوي الكريم: " حاسبوا أنفسكم قبل أن تحاسبوا وزنوها قبل أن توزنوا ".

ويشير الكاتب إلى إن من أسوأ الأخطار التي تصيب الدين هي الافتراء عليه من داخله أي من العلماء الذين يعتبرهم الناس مصدرا لتعاليم الدين وأحكامه فيصدرون للناس فتاوى وآراء تخالف قيم الدين ومصلحة الأمة بدوافع مصلحية لخدمة الذات أو انحيازا لمصلحة فئة أو تعصبا لمذهب واتجاه وينسبون تلك الفتاوى والمواقف للدين ويعطونها صفة التكليف الشرعي.

ويركز الكتاب على التربية الأخلاقية حيث يدور اهتمام الدروس في الحوزات العلمية والمعاهد الدينية على الإعداد العلمي لطلابها وغالبا ما يهمل جانب التربية الروحية الأخلاقية مما يفسح المجال لنمو النزعات الفردية الأنانية وتسرب التوجهات المصلحية وقد يأتي بعض الطلاب للدراسة الدينية من بيئة غير صالحة أو دون سابق إعداد تربوي كما قد تسعى بعض الجهات المناوئة لزرع عناصر مغرضة في الوسط العلمي أو للتأثير على بعض الأفراد فيها.

ويقول الكاتب تعاني الحالة الدينية في معظمها من غياب الأطر المؤسساتية مما يكرس التوجه الفردي عند علماء الدين بدءا من مرحلة الدراسة حيث لا يوجد في غالب الحوزات العلمية عند الشيعة أنظمة ملزمة بل يختار الطالب بحريته نوع ومكان وعدد دروسه وشخصيات مدرسيه ولا أحد يحاسبه على حضوره وغيابه ولا تحديد لمدة دراسته وتخرجه أو انتقاله من مرحلة علمية إلى أخرى. ويضيف الكاتب صحيح أن هناك أعرافا وتقاليد سائدة في الوسط الحوزوي لكنها ليست ملزمة وخاصة لمن يرغب في تجاوزها.

ويؤكد الكاتب إلى إن المرجعية الدينية عند الشيعة لا تتدخل في الخصوصيات السياسية للمجتمعات الشيعية في أوطانهم المختلفة إنما يرجعون إليها في قضاياهم الدينية ومسائلهم الشرعية أما الشأن السياسي والاجتماعي فتتصدى له القيادات المحلية من علماء ووجهاء وسيرة المراجع تثبت أنهم في مستوى كبير من النضج والحرص على مصالح البلاد الإسلامية لذلك يوجهون أتباعهم إلى الاندماج في أوطانهم والتفاعل مع محيطهم والحفاظ على الوحدة الإسلامية والوطنية.

ويقول الكاتب علينا أن نفرق بين الخطاب الديني والنص الديني، فالنص الديني هو كل ما ثبت وروده عن الله سبحانه وتعالى وعن رسوله محمد ﷺ أي الكتاب والسنة. وأما الخطاب الديني فهو ما يستنبطه ويفهمه الفقيه والعالم والمفكر من النص الديني أو من مصادر الاجتهاد والاستنباط المعتمدة.

ويشير الكاتب إلى أن من أبرز مظاهر العجز والخلل في واقع مجتمعاتنا تدني مكانة الإنسان وانخفاض مستوى الاهتمام بقيمته وحقوقه وحماية كرامته حتى أصبحت أمتنا تحتل الصدارة في تقارير انتهاكات حقوق الإنسان على مستوى العالم ليس من جهة السلطات السياسية فقط وإنما على الصعيد الاجتماعي العام أيضا. فهناك إرهاب فكري يصادر حرية التعبير عن الرأي وتمييز ضد المرأة يحولها إلى إنسان من درجة ثانية وقسوة على الأبناء تسحق شخصياتهم ونظرة دونية إلى الآخر المختلف ضمن أي دائرة من دوائر الاختلاف.

ويتحدث الكتاب عن أن هناك مشاكل وتحديات تستوجب إنهاض الأمة وتعبئتها لمواجهة المشاكل والتحديات هي المهمة الأساس للخطاب الديني، لكن من المؤسف أن الخطاب الديني ينتج للأمة مشاكل إضافية ويشغلها عن مواجهة تحديات واقعها المعاصر بنبش وإثارة مشاكل تاريخية قديمة أكل عليها الدهر وشرب كما يعبر الكاتب.

ويقول الكاتب أن هذه المشاكل والتحديات والمشاكل تستوجب نهوض الأمة وتجنيد قواها وطاقاتها وتفعيل إمكاناتها وقدراتها لتجاوز واقع التخلف والالتحاق بركب المم المتقدمة التي تنعم بالديمقراطية والاستقرار السياسي وتتنافس في ميادين العلم والمعرفة والتطور والتقدم الاقتصادي.

ويشير الكتاب إلى أن الحراك الفكري واختلاف الرأي حالة صحية وليست خطأ أو ذنبا يتورع عنه وويتسامى عليه كما قد يتصور البعض والآثار السلبية التي قد تنشأ من معارك الصراع الفكري واختلاف الرأي هي إفراز لسلوك خطأ في التعامل مع الرأي الآخر ناتج من روح الوصاية والاستبداد.

وعليه فإن على القيادات المخلصة في الأمة أن تخوض معركة الوعي وتقاوم التوجهات الطائفية متسلحة بالثقة والأمل وأن تطور خطابها التوعوي وتكثف الجهود في نشره وبثه لتتجه مسيرة الأمة نحو التنمية والبناء وتتجاوز واقع الاستبداد والجمود.