بأي ذنب تقتل القديح؟
تتبعثر الكلمات وتتشابك الأحرف وتختلط الأفكار من هول ما يجري من قتل وعنف وارهاب الضحية الأولى ذلك الانسان الذي لا حول له ولا قوة، لا أعلم أي نفس لا تجزع من قتل نفس طاهرة وتتألم لما يصيبها من ألم، لقد ماتت ضمائر تلك القلوب القاسية التي لا تعرف إلا لغة الغدر والقتل والترهيب، حيث الدين صار مشوها وملامحه غير واضحة بسبب ما قام به أولئك الحمقى الذين حولوا دين الله إلى لغة دم ودمار.
فجعت قرية القديح الوادعة بالقطيف شرق السعودية بعملية ارهابية أليمة ظهر يوم الجمعة قام بها ارهابي منزوع الرحمة والضمير في مسجد الامام علي حيث المصلون يأدون الصلاة خاضعين لله وقلوبهم تنتظر المغفرة والرحمة، فإذا بانفجار داخل المسجد الصغير الذي لا يعرف إلا لغة الدعاء والحب، وما نتهى صوت دوي الانفجار إلا بأكثر من عشرين شهيد ومخلف الكثير من الجرحى بعضهم في حالة حرجة جدا نسأل الله لهم الصحة والعافية ولأرواح الشهداء الرحمة والمغفرة.
الارهاب لم يأتي فجأة ولم يكن حدث عابر بل هو نتيجة إلى تراكمات كثيرة أنتجها خطاب الكراهية والتحريض الطائفي البغيض الذي هو نتيجة موروث تاريخي ضخم فيه احتكار للحق ونزعة الصوت الواحد وتقسيم البشر إلى فسطاطين إما أن تكون معي أو أنت ضدي وبذلك تستحق الموت والتنكيل، هذا التاريخ الذي يختزل العنف علينا تنقيحه وغربلته حتى لا تتكرر النزعات العنفية التي تتبرك بالدماء ولغة القتل.
سن قانون يجرم التحريض المذهبي والحث على الكراهية من الخطوات الأولى التي يجب القيام بها لحماية السلم الأهلي والاجتماعي لكي لا تتكرر مثل هذه الحوادث الارهابية مرة أخرى في أي مكان في الوطن، لا سبيل لنا للحفاظ على أمننا إلا سيادة القانون لكي نحمي ونحافظ على أمن البلد وحماية المواطن من أي اعتداء قد يتعرض له مما يسبب له الأذى والضرر، استقرار البلد وسلمه الاجتماعي لا يكون إلا بوجود قانون يحمي الكل من الكل ولا أحد فوقه حيث هو سيد على الجميع ويحمي الجميع وبذلك نكون حافظنا على التنوع والتعدد الموجود في هذا الوطن من أي تهديد أو عمليات ارهابية لا سمح الله في المستقبل.
الخطوة الأخرى علينا بث روح المحبة والتسامح والتعايش بين أبناء الوطن الواحد وعدم التفريق بين المكونات الاجتماعية الموجودة والقائمة في هذا الوطن المترامي الأطراف، التعدد الحاصل هو حقيقة تاريخية وحضارية لا يمكن لنا اقصائها أو إزالتها من الخارطة الاجتماعية في هذا البلد، تحقيق السلم الاجتماعي مكفول باحترام هذا التنوع والتعدد ولا غنى لنا عنه ولا سيبل لنا إلا بالقبول به واحترامه والحفاظ عليه لأنه من مصادر الثراء والقوة والازدهار لأي أمة تريد الحياة والاستقرار لها وإلى شعبها.
أخيرا تبرير الارهاب لا يحل الأزمة ولا يزيل الخطر القائم بل يجعلها تشتعل أكثر مما يهدد أمن واستقرار الوطن، إذا أردنا أن نحل المشكلة علينا الاعتراف بها أولا حتى نتمكن من معالجتها وتفاديها في المستقبل، مؤمن بأن أول خطوات الحل لأي مشكل هو الاعتراف به ومن ثم تشخيصه بشكل جيد حتى نتمكن من القضاء عليه حتى لا يتكرر مرة أخرى، مؤمن أيضا أن الوطن للجميع ولا يحق لأي أحد أن يزايد على أحد فيه لأننا شركاء فيه ومتساوون في الحقوق والواجبات، ومؤمن بأن التنوع والتعدد سبب لقوة وثراء الأمم حيث هي سنة الحياة التي لا مفر منها من أراد أن يكون بمفرده فليبحث عن كوكب آخر غير الأرض لكي يعيش فيه أما هذه الأرض فهي ستظل كذلك إلى أن يرث الله الأرض ومن عليها.
إلى شهداء القديح والوطن الرحمة والرضوان.