السلفية والشيعة بين خيارين تخاصم أو تصالح
تحتل مسألة الشيعة والسلفية مساحة واسعة من الجدل التاريخي الذي يركز على نسبية الحقيقة في الغالب على من هو الذي له الحق ومن هو الذي يستحق دخول الجنة...
تلك المسألة أصبحت من النقاشات التي في اعتقادي لن يصل أحد فيها إلى نتيجة حتمية؛ لأنها أشبعت بحثا ونقاشا واسعا وهي في معظمها تركز على المسائل العقدية والفقهية، بالإضافة إلى مسألة الخلافة التي أخذت مساحة واسعة في الطرح الديني واستنزفت الكثير من الوقت والجهد الذي لو صب في قضايا أخرى لأدى فاعلية أكثر وأكبر.
من هنا فإن الكاتب جهاد بن عبدالإله الخنيزي يصدر كتابه " السلفية والشيعة بين خيارين تخاصم أو تصالح " والذي جاء في اثني عشر فصلا ناقش فيها الكاتب بشكل موسع أهم القضايا التي تتعلق بالجدل الدائر بين السلفية والشيعة وكيف يتم التأسيس للعيش المشترك والتعددية واحترام الآخر المختلف؟.
ويشير الكاتب إلى خطورة وحجم المشكلة في تأجيج الخلافات الدينية إلى ثلاثة نقاط:
1 - تسييس الاختلاف في الاعتقادات الدينية بين الشعوب على واقعهم المعاصر.
2 - وتنامي نزعة إحياء تاريخ الصراع القديم لها.
3 - وتنشيطها في الصراعات الحديثة بين الدول والجماعات والأحزاب.
ويضيف الكاتب إلى إشكالية الاختلاف وهي إذ يتحول الأتباع إلى جيوش من الدعاة والمصارعين والمبارزين، هدفهم هو القضاء على الخصم أو إلحاق أكبر قدر من الضرر فيه، وكي يصلوا لهذا الهدف يستخدم الجميع فيما يستخدمونه، الإسلام كمنطلق لتبرير مواقفهم العقدية والفكرية والسياسية والسلوكية.
ويعيب الكاتب على المتدينين الإسلاميين هو عجزهم عن حل مشكلاتهم الدينية أو العقدية، فبينما هي كما يشير الكاتب اختلافات في المعرفة الدينية، والمعرفة الدينية بطبيعتها ترتبط بالبحث والاستدلال العلمي وتطبيق مناهج العلم.
ويشير الكاتب إلى الضرر الاجتماعي بسبب عدم حل مشكلة الاختلاف والتخاصم الديني بين المذاهب والفرق الإسلامية وهي تكون لدينا ظاهرة مجتمع المذهب، ودولة المذهب، وحكومة المذهب وأحياء المذهب، بل وأسواقها ومتاجرها، مما أحدث فصل حاد في جميع أنحاء المجتمع نتيجة هذا التخاصم الديني الشديد، ويتساءل الكاتب لنتصور كيف يعيش مسلمون في دولة واحدة وينظر بعضهم لبعض على أنهم كفار وضلال ومبتدعون ومشركون، وكيف يستطيع هذا المجتمع أن يحقق الغرض من وجوده؟.
وعليه فقد أصبح المجتمع الإسلامي مجتمع طوائف كما يعبر الكاتب، ويضيف أيضا وفي مثل هذا المجتمع فإن الطوائف سوف تتصارع لتحصين نفسها ضد الآخر، ولتحصيل مكاسب على حساب الطوائف الأخرى، وسوف يخترق القانون، لتصبح الدولة دولة قانون الطوائف، وفي مثل هذه الحالات ينتشر الفساد والمحسوبية وتضعف الدولة، ويصبح المجتمع مهددا برمته.
ويختم الكاتب كتابه بأن مستقبل الأمة مرتبط في جزء كبير منه بهذا التصالح بين المذاهب، ومنع التحريض الطائفي بينها، ونقل الخلاف من مفهوم التغالب إلى مفهوم التنافس على الخيرية ونفع البشرية وتقديم النماذج الصالحة التي تساعد على تقدمها وتحمي جبهتها الداخلية وعزتها بين الأمم.