أي تدين نريد؟
يعيش العالم الإسلامي انفجار هوياتي ضخم جدا، مما سبب إلى تقاتل هذه الهويات مع بعضها البعض، لأننا جعلنا منها «هويات قاتلة» كما أطلق عليها الكاتب أمين معلوف، وهذه انعكست على تدين المجتمعات الإسلامية، حيث تشكل تدين عدواني لا يقبل بوجود غيره ومزاحمته في احتكار الحق كما يتصور. وهذا أدى إلى إلغاء التدين العقلاني ومحاصرته وتحول من قيمة إلى تهمة لدى تيار واسع من المسلمين مع الأسف.
يتساءل الكاتب والمفكر الإيراني مصطفى ملكيان في كتابه «التدين العقلاني» عن المتدين ومن هو؟ حيث يقول: «فمن هو المتدين في هذا الخضم يا ترى؟» حيث يعلق على هذا السؤال قائلا: «إنه برأيي ليس راكب السفينة، بل هو السابح في العباب والمهدد بعدم الوصول. وبعبارة أدق، لا يدخلنا التدين مملكة نضمن فيها الأمن والفلاح لأنفسنا، مهما فعلنا ومهما كانت تصرفاتنا ومواقفنا، بل الصحيح هو أننا عند دخول الدين نشرع بطلب الحقيقة ولا نمتلكها دفعة واحدة، ولعل معظم الذين انجرفوا في تدينهم إلى التزمت والتحجر، توهموا أنهم أصحاب الحقيقة وملاكها دون غيرهم، ونسوا التدين الصحيح هو طلب الحقيقة والكدح إليها».
من خلال عبارة ملكيان التي أشرنا إليها نكتشف أن هناك فهم خاطئ وقع فيه المتدينين بشكل عام وهي احتكارهم للحقيقة وإلغاء المختلف معهم أيا يكن وهذا خلاف للتدين العقلاني الذي تدعو له الأديان وهو طلب الحق والسعي له بالأدلة والبراهين من خلال ممارسة النقد والتمحيص والابتعاد عن التعصب الأعمى الذي يجعل من الفرد مغلق العين وبالتالي تنعدم الرؤية التي تعينه وتساعده في اكتشاف التدين الذي يوصله للحقيقة، وهذا لا يتحقق إلا بوجود تفكير نقدي يبحث في أغوار التدين السائد الوراثي التاريخي الذي تضخم نتيجة الجمود الفكري طوال القرون الماضية مما سبب لنا وجود تدين متطرف أو عدواني غير قادر على تفهم الاختلاف الطبيعي القائم بين بني البشر.
وعلى ذلك فلا سبيل لنا حتى نتخلص من الواقع المؤسف الذي نعشيه الآن إلا التدين العقلاني الذي يستوعب الحياة بجميع أشكالها واختلافاتها ونبذ التطرف والكراهية التي تشكلت بسبب التدين المتطرف أو العدواني الذي انتهك أعظم كرامة في هذا الكون وهي إنسانية الإنسان.