الأمل والنظر إلى المستقبل
دخل طفل صغير محل الحلاقة، فهمس الحلاق في أذن الزبون الذي يقوم بحلاقته قائلاً: هذا أغبى طفل في العالم، ثم قال الحلاق لزبونه: انتظر وأنا أثبت لك ذلك.
وضع الحلاق درهما في يده اليمنى، ووضع في اليد اليسرى 25 فلسا. ثم نادى الولد وعرض عليه المبلغين، فأخذ الولد الـ 25 فلسا ومضى خارج المحل يلهو مع الأولاد.
ثم التفت الحلاق إلى زبونه قائلا: ألم أقل لك هذا الولد لا يتعلم أبدا، إنه في كل مرة يقع في الخطأ ويكرر الأمر نفسه.
تأمل الزبون متعجبا، وبينما هو خارج من محل الحلاقة، شاهد الولد عند بائع الآيس كريم، فتملكه الفضول، ثم اندفع يسأل الولد عن سبب فعله المتكرر هذا، لماذا تأخذ الـ25 فلسا في كل مرة ولا تأخذ الدرهم؟
فقال الولد: لأنه في اليوم الذي آخذ فيه الدرهم ستنتهي اللعبة!
عقل الطفل الذي يصفه الحلاق بالغباء، كان ينظر إلى الـ 25 فلسا باعتبارها فرصة متاحة، فأخذ يتأمل في طريقة استدامتها والمحافظة عليها، وفضّل أن يصل إلى الدرهم عبر التراكم، ففي كل أربع عمليات سيضحك الحلاق منه - في جميعها - لكنه سيكسب درهما، بينما يبقى الطريق معبداً للدرهم الذي بعده.
كان الولد يرى أن ما يأخذه مبلغ ضئيل مقابل إغراء الدرهم، فالدرهم كما يقول المثل الشعبي «ضربة معلم»، لكنه لن يتكرر، فانصرف عنه ليحافظ على القليل الذي لا ينقطع، وليفضله على الكثير المنقطع.
حدثني أحد التجار الشباب عن بضاعته التي يستوردها من بلاد الصين، وكان صريحاً معي في سعر الشراء، وسعر البيع بعد إخراج كل التكاليف، فكان سعراً صادماً في قلته وبساطته، وهذا ما بادرته به، فقال لي: إنني من النوادر الذين يوردون هذا الصنف من البضاعة، ولو كانت فائدته كبيرة في كل قطعة لتحفز الكثير لاستيراده ولفقدت مصدر رزقي، وأنا فضلت أن أحافظ على ما أنا فيه، وأعمد إلى زيادة الجهد، وأنا أتأمل التراكم الذي جعلني فيما أنا فيه من خير بعد توفيق الله سبحانه وتعالى.
وفي السياق ذاته، كنت في مجلس لأحد المشايخ العلماء فدخل رجل ومعه ولده الذي لا يتجاوز عمره 7 سنوات، وكان بين الفينة والأخرى يلتفت إليه، عدّل جلستك، ضم رجلك، امسك الماء جيدا لتشرب، وحين هم بالسلام والتوديع، التفت إليه الشيخ وقال له: كأن الولد قد أتعبك، فرد الرجل قائلا: ستراه يا شيخ مثل أخيه إن شاء الله، أنا أقبل منه اليسير وأنتظر منه الكثير، وهذه هي طريقتي السابقة مع أخيه الكبير، ثم واصل حديثه، إذا أردته كاملاً دفعة واحدة فلن أصطحبه معي، وإذا لم أصطحبه فلن أتمكن من تطوير سلوكه شيئا فشيئا كما أريد.
النظر إلى الأمور بأمل وتفاؤل ورضى، ثم النظر إليها مجدداً بعين المستقبل بعد تراكمها وتكاملها وصيرورتها المستمرة هي التي تعطي للإنسان الدافع نحو العمل والاستمرار فيه، مهما يكن العمل صغيرا، وقد ركز القرآن الكريم على عدم التهاون بالصغير من العمل ﴿ فَمَن يَّعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْرًا يَّرَهُ * وَمَن يَّعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ شَرًّا يَّرَهُ ﴾ «الزلزلة: 7 - 8»، وقال تعالى: ﴿ وَنَضَعُ الْمَوَازِينَ الْقِسْطَ لِيَوْمِ الْقِيَامَةِ فَلا تُظْلَمُ نَفْسٌ شَيْئًا وَإِن كَانَ مِثْقَالَ حَبَّةٍ مِّنْ خَرْدَلٍ أَتَيْنَا بِهَا وَكَفَى بِنَا حَاسِبِينَ ﴾ «الأنبياء - 47».