آخر تحديث: 19 / 12 / 2025م - 5:12 م

القراءة واليوم العالمي للغة العربية

يوسف أحمد الحسن * صحيفة الجزيرة

لا يكفي أن نحب اللغة العربية ونحتفل بيومها حتى نؤدي حقها علينا وننهض بها من واقعها الراهن؛ فلغتنا العظيمة التي طالما حملت إرثًا معرفيًّا عظيمًا في مختلف فروع العلم والأدب لا يمكنها أن تزدهر وتبقى على توهجها دون تداول لنصوصها عبر القراءة، خاصة بين أبناء الجيل الجديد. فالقراءة هي حجر الزاوية في إحياء العربية وإعادة الألق والبريق إليها؛ فقوة اللغة من قوة التعلق بها، والتعامل بها على مدار الساعة في مختلف مجالات الحياة.

وتحتاج هذه اللغة إلى تعبئة كل الطاقات وحشد جميع الجهود، وإلى نهضة شاملة في التعامل معها وتحويلها من مجرد ترف زائد ووسيلة تخاطب وتحاور إلى عادة أصيلة وأسلوب حياة يومي؛ قراءة وكتابة وتفكيرًا، من أجل أن تبقى جسرًا بين الأجيال المتعاقبة.

وتحيط بهذه اللغة حاليًّا مخاطر جمة، ليس أقلها تراجع معدلات القراءة الحرة والحقيقية عربيًّا أكثر من معدلات التراجع العالمي. فرغم أن العرب يقضون ساعات طوالًا من أوقاتهم كل أسبوع في القراءة، فإن أغلبها قراءات سطحية عابرة وسط هيمنة المحتوى الاستهلاكي متمثلًا في وسائل التواصل الاجتماعي التي تعج بالغث أكثر من السمين، علاوة على أنها قد تشكل معاول هدم للغة وتسطيح للفكر حين تستخدم بطريقة خاطئة. ففي وسائل التواصل أصبح الجميع كُتابًا وقراءً؛ وحين يكتب من لا يجيد الكتابة كتاباتٍ الأخطاءُ اللغويةُ والإملائية فيها أكثرُ من السليمة، ثم يأتي أبناء الجيل الجديد ويقرؤون ما كُتب ويأخذونها مسلّماتٍ، فإن هذا ما يهدد بتشويه سليقة الجيل اللغوية ويؤسس للغةٍ غير سوية يتعلمها، خاصة إذا لم يواكب ذلك قراءة كتب ورقية أو رقمية معتمدة.

ومن أجل تعديل هذا الواقع فلا بد من اتخاذ خطوات عملية دون الاكتفاء بمجرد تمجيد اللغة في يومها العالمي أو البكاء على أطلال المكتبات العامة. ينبغي إعادة النظر في كيفية تعاطينا مع الواقع بما يخدمها في جميع المجالات، ومنها الجانب التعليمي الذي يجب أن يعيد تقييم تعامله مع القراءة الحرة في المدارس بحيث تتحول من واجب ممل ومنفر إلى متعة حقيقية يستسيغها الطالب ويقبل عليها بكل أريحية.

كما أننا يمكننا أن نولي الجانب الرقمي اهتمامًا مختلفًا؛ فليست الأجواء الرقمية شرًّا مطلقًا؛ بل يمكن أن نستثمرها لمصلحة اللغة حين ننشر المحتوى الهادف والجاذب الذي يمكنه أن يضرب عصفورين بحجر واحد؛ فهو يطرح الفكر العميق من جهة، ويطرحه متسلحًا بأساليب رقمية جاذبة وقادرة على الوصول إلى القراء في أقصى المناطق النائية، بكلفة قليلة، من جهة ثانية.

ويعد الاحتفال باليوم العالمي للغة العربية مناسبة لتعزيز حضورها وتقوية بنيتها التحتية في كل بلد، بالسعي لزيادة أعداد المكتبات العامة «حتى إن كانت صغيرة المساحة» لكن مع التأكيد على أن تكون قريبة من الناس، وذلك طبقًا للمعايير الدولية المحددة للمكتبات بحيث يستطيع أي شخص أن يصل إليها ماشيًا في مدة لا تزيد على عشر دقائق، مع وجود برامج تتناسب مع متطلبات الشباب وتجعلهم يقبلون عليها بكل رغبة ما ينعكس إيجابيًّا على واقعهم، ويحول القراءة إلى قيمة يفتخر بها الجميع.

فكل مكتبة هي لبنة تضاف إلى البناء الشامخ للغة العربية، وكل نادي قراءة هو مشعل يضيء الطريق لمن فقد بوصلة توجهه في ميدان القراءة، وكل كتاب يُقرأ هو رسالة دعم لها، وكل برنامج أو فعالية هي قوة تضاف إلى قوتها. هذه الخطوات العملية هي ما يعطي الأمل في تألق قريب للغتنا الجميلة، ويبشر بصحوة قرائية قوية في زمن العولمة والانفتاح والأسئلة الصعبة.

*إن الذي ملأ اللغات محاسنا - جعل الجمال وسره في الضاد

الشاعر أحمد شوقي