المطر رسالة الرحمة
بدأت علاقة الإنسان بالمطر منذ أن خُلق وسكن على الأرض، حين ربط حياته بالأمطار من أجل العيش؛ فكان يبحث عن أماكن الماء حين يتأخر نزول المطر من أجل الأعشاب والثمار له ولإبله وأغنامه، ويشعر بالإحباط إذا تأخرت الأمطار، فيراقب السماء ليرى الغيوم، فيشعر بالطمأنينة والسلام من ناحية مأكله وماشيته.
كما يُعَدّ المطر في مجتمعنا، ولا سيما في الزمن الجميل لأجدادنا، وكأنه رحلة استجمام يستمتعون فيها بمائه وصوته، وأيضًا رائحته التي تريح النفس، كما تقوم بعض جداتنا بجمع المطر لشربه، وحتى وقت قريب من أعمارنا ونحن صغار مع الأصدقاء، كنا نسبح في تجمعات الأمطار، حيث كان نقاء التربة من شوائب ما عليه الآن، ونجد في ذلك متعة وسعادة لا تُوصف.
فسبحان من جعل في المطر لخلقه حياة، عطاء إلهي ورحمة لا تنقطع؛ فالغيث رسالة من السماء، تتنزل فيها كل شفاء، سكينة للقلوب، ومع قطرات المطر تتجدد الذكريات الجميلة، تعيدنا يوم كنا صغارًا، عندما تزداد فرحتنا مع نزول المطر، تلك الأيام، أيام الطفولة الحلوة؛ نلعب ونركض، نضحك ونمرح، نتسابق جريًا في الأزقة الضيقة بين البيوت القديمة، ومع خوفنا الشديد من صوت الرعد وشدة البرق، إلا أننا نحمل في قلوبنا الشجاعة، نقضي أجمل الأوقات من الفرح والمرح، يوقظ المطر بداخلنا صدق المشاعر البريئة، الحب والطمأنينة والراحة، القرب من أهالينا وأصدقائنا، أصدقاء الطفولة والصبا.
هذه الأيام، ومع بداية فصل الشتاء والأمطار الجميلة، وهذه الليالي شديدة البرودة، تتجه القلوب إلى السماء شكرًا وامتنانًا لله عز وجل، على نعمه التي لا تحصى ولا تُعد؛ رفع الأكف بالدعاء أن يجعل هذا الغيث مباركًا، فيه إحياءً للأرض، وتخفيفًا للنفوس من أعباء الحياة، وأن يجعل الله سبحانه وتعالى فيه الخير، ويمسح به ما في القلوب من هموم وقلق وتعب الأيام، وأن يمنَّ الله علينا من كرمه وفضله، ويقربنا نحن عباده لبعضنا البعض، ويزرع فينا قيم التسامح والمحبة والألفة والإخاء، ويجدد الله في نفوسنا مشاعر الرحمة، ويعم الخير والأمان على العباد، وينشر الطمأنينة والمحبة وكل السلام. ومن آياته، خالق السماوات والأرض، في نزول المطر قال تعالى:
﴿وَهُوَ الَّذِي يُنَزِّلُ الْغَيْثَ مِنْ بَعْدِ مَا قَنَطُوا وَيَنْشُرُ رَحْمَتَهُ﴾ [سورة الشورى: الآية 28]
﴿أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ يُزْجِي سَحَابًا ثُمَّ يُؤَلِّفُ بَيْنَهُ ثُمَّ يَجْعَلُهُ رُكَامًا فَتَرَى الْوَدْقَ يَخْرُجُ مِنْ خِلَالِهِ﴾ [سورة النور: الآية 43]
﴿وَأَنْزَلْنَا مِنَ السَّمَاءِ مَاءً طَهُورًا * لِنُحْيِيَ بِهِ بَلْدَةً مَيْتًا﴾ [سورة الفرقان: الآيتان 48-49]
﴿وَنَزَّلْنَا مِنَ السَّمَاءِ مَاءً مُبَارَكًا فَأَنْبَتْنَا بِهِ جَنَّاتٍ وَحَبَّ الْحَصِيدِ﴾ [سورة ق: الآية 9]













