علاج السرطان
يُدرَس الطب البشري لدينا في مرحلته الأولى لمدة سبع سنوات، ثم يتخصص الطبيب العام خلال فترة تتفاوت بين ثلاث إلى سبع سنوات بحسب التخصص، ثم تأتي مرحلة الزمالة التي قد تمتد لثلاث سنوات أخرى. وبعد هذا كله، يعمل الطبيب سنوات طويلة، ومع ذلك يتحدث عن علاج الأمراض بحذر شديد، ولا يجزم غالبًا برأيٍ دون علمٍ أو دليل. وفي المقابل، قد تجد كثيرًا من الناس - ممن لم يُكملوا تعليمهم الأساسي - يفتون بثقة في علاج سرطان البنكرياس، وأمراض القلب والرئتين، مستندين إلى قاعدة أصولية اخترعوها لأنفسهم، هي: «اسأل مجرّب ولا تسأل طبيب». وحين يجلسون في مجلسٍ ما، أو يمسكون بالقلم الإلكتروني، يخوضون في شتى أمراض الدنيا، ليُحدِّدوا للناس ما ينبغي وما لا ينبغي عليهم فعله لتجاوز أمراضهم، دون أن يعرفوا فيما يتحدثون عنه: كوعهم من بوعهم.
أصبح الإفتاء في الطب عبر مواقع التواصل الاجتماعي شائعًا بشكلٍ مقلق. ويعبّر عن هذه الظاهرة مثلٌ شعبي يقول: «اربط صبعك والكل ينعت لك دوا»، في إشارة إلى كثرة من يقدّمون الوصفات والنصائح الطبية دون علمٍ أو اختصاص. ويمكن وصف هذه الحالة بـ ”اللقافة الطبية“، حيث لا يجد البعض حرجًا في أن يُملي على الناس ما يفعلونه أو يتركونه لتجاوز أمراض معقّدة، وكأن الطب آراء شخصية، لا علمًا قائمًا على دراسةٍ وتجربة. والأدهى من ذلك أن يُوصي الأطباء بعلاجٍ ما، فيخرج آخرون لينسفوا هذا الرأي، ويفتوا بأن كلام الأطباء غير صحيح ولا ينبغي الامتثال له. وهنا تتجلّى الخطورة الحقيقية؛ إذ قد يمتثل المريض لرأي جاهل، ويترك توجيهات المختصين، فيتفاقم مرضه، أو يصل إلى عواقب قد تكون مميتة، دون أن يدرك ذلك. والسبب في كثير من هذه الحالات يعود إلى أولئك المتطفلين على الطب، الذين روّجوا معلومات مغلوطة، وقدّموها للناس على أنها حقائق. وليس الإشكال في تعدّد الآراء أو البحث العلمي المشروع، بل في الجزم بالعلاج وتسويقه للناس دون دليلٍ علمي، وعلى حساب توجيهات المختصّين.
في اعتقادي إنّ من يُفتي في الطب ويُروّج لمعلومات لا تستند إلى أدلّة وحقائق علمية مثبتة، ينبغي ملاحقته قانونيًا؛ لأنه بالفعل مفسدٌ حقيقي في المجتمع. فهو، شاء أم أبى، يقود من يمتثل له إلى الهلكة دون أن يشعر. وفي عالم الطب الواسع، تزداد التخصّصات الدقيقة بشكلٍ مستمر، والأعراض التي يظنّها كثيرون متشابهة قد تكون أسبابها متناقضة. وبالنتيجة، فإن من يقول للناس: «اخلط بقدونس وجح على فص ثوم وشوية جرجير واشربهم على الريق علاجًا للسرطان»، فهو جانٍ حقيقي لا يختلف كثيرًا عمّن يهرّب الممنوعات إلى داخل البلاد، أو عمّن يدخل البيوت ليسرق أصحابها عند الغياب، فكلاهما يجني على الناس وإن اختلفت النوايا!!













