الرامس 4.. من ”الاستعراض“ إلى ”الوجهة“
قبل أيام، دشنت العوامية فصلاً جديداً من حكاياتها بانطلاق النسخة الرابعة من ”عرض الرامس للسيارات“، برعاية محافظ القطيف الأستاذ عبدالله السيف وبإشراف وزارة الرياضة، ليرسخ مشروع ”وسط العوامية“ مكانه كحاضنة للفعاليات الشبابية. هذا الحراك المتصاعد يؤكد رغبة رسمية ومجتمعية واضحة في استثمار طاقات الشباب وتحويل المنطقة إلى نقطة جذب حضارية. لكن السؤال الجوهري الذي يفرض نفسه هو: كيف ننتقل بهذا الحراك من مرحلة ”تنظيم الفعاليات“.. إلى مرحلة ”صناعة الوجهة المستدامة“؟
فكرة ”عرض السيارات“ في جوهرها ليست مجرد تجمع للمركبات المعدلة أو منصة لاستعراض العضلات الميكانيكية، بل هي منتج سياحي وثقافي متكامل يُفترض أن ينعكس على الاقتصاد المحلي، والهوية البصرية، والتماسك الاجتماعي. وفي التجارب الدولية، نرى أن المدن التي نجحت في هذا المجال لم تكتفِ بتنظيم العروض الموسمية، بل حولت هذه الفعاليات إلى محركات اقتصادية تخلق فرص عمل، وتُنعش قطاع الخدمات، وتفتح آفاقاً للاحتراف الحقيقي في مجال تعديل وصيانة السيارات، مما حول الهواية إلى صناعة.
وعند النظر إلى النسخة الرابعة من ”الرامس“، تبدو المؤشرات مبشرة للغاية وتدعو للتفاؤل. فالأرقام المنشورة تكشف عن معايير انتقاء عالية؛ إذ تم اعتماد 550 سيارات فقط من بين أكثر من 1100 طلب، لتشكيل لوحة فنية تعكس شغف الشباب. هذه ”الفلترة“ الرقمية تعني أننا بدأنا نهتم بـ ”الكيف“ على حساب ”الكم“، وهو المؤشر الأهم في تقييم نضج أي فعالية. فإذا لم ترتفع معايير المشاركة، فهذا يعني أننا نراوح مكاننا في دائرة الهواية، لكن ما حدث في ”الرامس 4“ يشير بوضوح إلى أن الاحترافية باتت هي المعيار.
ومع ذلك، فإن نجاح الحدث تنظيمياً وجماهيرياً يجب أن يكون البداية، لا النهاية. فالتجارب الناجحة تثبت أن الأثر الحقيقي يبدأ عندما يغادر الجمهور الموقع؛ هل تحولت هذه الطاقة الشبابية إلى مشاريع ريادية؟ هل أصبح ”وسط العوامية“ وجهة دائمة لهؤلاء المبدعين طوال العام لا في أيام العرض فقط؟
الجهود المبذولة من الرعاة والمنظمين، والدور المحوري الذي يلعبه الأستاذ محمد التركي في إدارة المشروع وتجديد دمائه، تستحق الإشادة، لكنها تضع على عاتقهم مسؤولية أكبر للمستقبل. نجاح هذه النسخة هو ثمرة تعاون، لكن استدامتها تتطلب تحويل ”الرامس“ من مجرد ساحة للعرض إلى منصة للتطوير والابتكار وجسر حقيقي بين الأجيال.
اليوم، وبعد النجاح اللافت للنسخة الرابعة، نحتاج إلى خطوة أكثر جرأة: تحويل هذا ”الحدث“ إلى ”أثر“ ملموس في يوميات المنطقة. نريد أرقاماً ومؤشرات تقول: إن العوامية لم تعد مجرد مستضيف لفعالية، بل أصبحت عاصمة للإبداع الشبابي ووجهة سياحية متكاملة. حينها فقط يمكن القول إننا انتقلنا فعلاً من مرحلة ”الاستعراض“.. إلى مرحلة ”الوجهة“.


















