قراءة في ديوان «مزدحم بالفراغ» لعلي مكي الشيخ
بالله، أهذا شعر أم سحر!
بدايةً سأستعير قول لسان الدين الخطيب في التفريق بين الشعر والسحر: «فمن الواجب أن يُسَمّى الصّنفُ الذي يخلب النّفوسَ ويستفزّها ويُثني الأعطافَ ويهزُّها، باسم السِّحر الذي ظهرتْ عليه آثار طِباعه وتبيَّن أنّه نوعٌ من أنواعه...
فما قَصُرَ عن هذه الغاية فهو شعر، فالسحر إذن ليس بالمبنى والمعنى، بل بالقوة التي تؤثر في الوجدان مما يستدعي إعادة القراءة للّذة، ولكن ما الذي يجعل الشعر سحراً؟
علي مكي الشيخ الشاعر الذي له بصمته والذي قدم لنا «مزدحمٌ بالفراغ» العنوان الفلسفي الذي يقرأ صمت العابرين في ظلال الريح، وراح يرتّب اللاشيء جهرًا.
بصمة التجديد على مستوى الرؤية الشعريّة في ابتكار مخيال واسع يجترح الصور ويعيد صبغها وصياغتها بعنصرٍ مفاجئ وجريء فنيًّا.
كما يراجع علي مكي ويحاجج الرؤى التقليديّة بطريقة واعية فكريًّا تنمّ عن فلسفته الخاصّة به بثقة عارفة بالعمق، ولا يخلو الديوان من التنظير في جمالية الشعر، روعة المطالع وسحر النهايات، اختيار القوافي وأصعبها، الغموض الفلسفي، التيه الذي زَرَّرَهُ قمصانًا! قدرته على تفعيل الحالة الروحانية به واستخدام الصور الشعرية فيه فاق حدود الشعر!
الانزياحات، المعاني، الهروب من الذات، الحالة الوجودية، رفضك لواقع لا تريده، الميتا شعر، اللاشيء، اللامكان، الزمكان، خيال واسع المدى في مزج الفلسفة مع النكهة المتصوفة، الميتانصيّة، والذي أظنه ابتكر بها منعطفات جديدة ولا أبالغ إن قلت تفرّد بها.
الأدوات التي تنبئ عن الجمال مبنىً ونسجًا وسبكًا وأناقة.
الديوان يمتلك فلسفة في صناعة الانزياحات والتأجيل.
وفي تأكيد فلسفته هذه يُنظر في قصيدته «أسباب الخيال»، القصيدة التي تكاد تكون بيان تحرير الإطار إلى اللا إطار، وخروجه عن النصية والهامشية نحو معاريج التيه والتصوف تتجلى بقصيدته «خفيف الظل» والبيت الأخير منها:
وسقيتُ ربي حينَ نادَمَني
خمرًا.. تدفَّق.. صارَ أنسنَتي
والانفلات الأنطولوجي في عمق المباني والمعاني، يتجلّى في قصيدته «في روحه نفخا» وعن فلسفته للوقت في البيت:
تناسخَ الوقتُ.. منْ آثارنا قدرًا
حتى بنا.. الوهمُ منْ أوقاتنا نسخا
علي مكي الشيخ هو منعطف شعري بوجاهة فكرية عالية.













