آخر تحديث: 5 / 12 / 2025م - 10:34 ص

لقد هزلت

ياسر بوصالح

تتحفنا وسائل التواصل الاجتماعي بين حين وآخر بآراء غريبة، بل ربما صادمة. من ذلك رأي السيد فرقد القزويني الذي يطرح رؤية خاصة يعتبر فيها أن صوم شهر رمضان المبارك وفق التقويم الهجري الحالي لا يوافق ”الواقع الكوني“، ويقترح ما يسميه ”التقويم المحمدي“ المرتبط بمنازل الشمس، حيث صادف عنده أول رمضان في تاريخ 24 ربيع الثاني من هذا العام 1447. [1] 

ومن قبيل تلك الآراء أيضًا القول بأن المسجد الأقصى المذكور في القرآن يقع في الجعرانة قرب مكة لا في القدس، وهو رأي يتبناه الأستاذ يوسف زيدان [2] . وتتواصل سلسلة الغرائب حتى تصل إلى الدكتور والمحامي أحمد نور الذي يفسر الآية الكريمة» يُؤْمِنُونَ بِالْجِبْتِ وَالطَّاغُوتِ» [3]  بأن ”الجبت“ مرادف لكلمة [4]  GPT المتفرعة من ChatGPT! ثم يطل علينا ياسين صخراوي ليزعم أن بداية سورة الأعراف «ا لـ م ص» ما هي إلا تصحيف لكلمة ”الموساد“، ذلك الجهاز الاستخباراتي المعروف. [5] 

والحبل على الجرار، إذ يخرج علينا أحدهم ليشكك في موقع مسجد جواثا الذي تسالم عليه القوم جيلًا بعد جيل لأكثر من 1400 سنة، ولم يكشف لنا السر إلا جنابه الكريم حين أعلن أن مكانه الحقيقي هو منطقة الرامس بالقطيف. ثم يفاجئنا خبر صحيفة جهات للأستاذ الكريم عبدالرسول الغريافي [6] ، إذ جاء فيه: ”وفي تصحيح علمي حازم، نسف الباحث صحة مصطلح المسند الأحسائي الذي شاع استخدامه مؤخرًا في بعض الأوساط الثقافية.“

لكن كنا نتوقع من الأستاذ الغريافي أن يشفع رأيه بدليل علمي محكم يقطع النزاع كما يُقال، لا أن يسترسل في ذكر ”التنافس الإيجابي في المنتجات الزراعية“، وهو أمر لا صلة له بالموضوع من أساسه، فيقع بذلك فيما حذّر منه من الانجرار إلى العاطفة المناطقية.

ولذلك أحيل القارئ الكريم إلى كتاب الدكتور سعيد بن فايز السعيد مدونة نقوش شرق الجزيرة العربية القديمة ”الحسائية“:

وهنا أقول: كأن الحال اليوم يصدق فيه ما أنشده أبو الحسن الفالي:

لقد هزلت حتى بدا من هزالها كلاها وحتى سامها كل مفلس

فلا غرابة لو خرج علينا في المستقبل من يقول إن البشت الأحسائي كان أصله من الحبشة حيث كان اللباس الخاص بالنجاشي، ثم نقله المسلمون الأوائل إلى المدينة المنورة ومنها إلى الأحساء، طالما أن وسائل التواصل الاجتماعي تُطلق الآراء المرسلة بلا ضابط، فإننا نتطلع إلى لجان علمية محكمة ترشد هذه الحالة العبثية وتضبط مسارها. كما ينبغي أن نتجاوز الحساسية المناطقية، فكل مكسب يحققه جزء من هذا الوطن العزيز هو في المحصلة مكسب تراكمي لبقية أجزائه.

التعقيبات المنشورة لا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع
التعليقات 2
1
ابو الفارس الإحسائي
[ الأحساء ]: 30 / 11 / 2025م - 10:58 ص
مقالة جميلة وتمس مشاعرنا نحن اهل الأحساء عندما نسمع من بعض اخوتنا اهل القطيف الذين نحبهم ونحترم ثقافتهم بين الحين والآخر من تهميش صفة (حساوي) عن منتج او مبنى او منطقة او ارث تاريخي وتكذيب الباحثين والعرف فبدأت بمنتجات بسيطة مثل اللومي الحساوي والبامية الحساوية وامتد الى مسجد جواثا وقد يمتد الى البشت الحساوي والخبز الأحمر والمندي الحساوي مستقبلاً
2
عبد الله الخزعل
30 / 11 / 2025م - 2:06 م
أحيك أستاذ ياسر .. على التزامك العلمي الذي يسبق انتمائك المناطقي .. وعلى أمانتك الفكرية التي تتقدم على أي اعتبارات أخرى .. إن ما طرحته من ملاحظات يعكس وعياً رفيعاً بأهمية التمييز بين الرأي الحر المبني على أسس معرفية .. وبين الآراء التي تُطرح لمجرد المخالفة .. دون سند علمي أو منطقي..

لقد بات من المقلق أن تُروَّج بعض الآراء الشاذة في قضايا تُعد من المسلمات .. وقد خضعت لبحوث دقيقة ونقاشات مستفيضة عبر مناهج علمية وأدلة واقعية ومنطقية.. ومع ذلك .. يظهر من يطرح رأياً مضاداً لا يستند إلى برهان .. بل يُستشف منه غرضٌ شخصي أو توجهٌ غير موضوعي..

الأشد خطورة أن بعض الجهات المرموقة تتعامل مع هذه الآراء تحت مظلة "حرية التعبير"، دون مراعاة للضوابط التي تحكم هذه الحرية .. فحرية التعبير ليست مطلقة .. بل مشروطة بوجود منهجية .. وصدق علمي .. واحترام للمجتمع المعرفي.. أما إذا غابت هذه الشروط .. فإن ما يُطرح لا يُعد إثراءً للحوار .. بل تشويشاً على المفاهيم .. وإثارةً لصراعات لا طائل منها..

إن اختلاف الآراء يجب أن تكون وسيلة للتنوير.. لا ذريعة للتفريق.. فالرأي الذي لا يضيف معرفة .. ولا يحترم المنهج .. لا يخدم الهدف السامي من التعدد الفكري.. بل يسيء إليه..

أكرر شكري وتقديري لك أستاذ ياسر على إثارة هذا الموضوع الحيوي .. الذي يستحق أن يُناقش بعمق ومسؤولية ..