آخر تحديث: 5 / 12 / 2025م - 7:11 م

من عبق الماضي: أسطورة الحوائج ”حجرة بنت حيدر“

حسن محمد آل ناصر *

جلست تلك الليلة استمع كالعادة إلى حديث أمي الشيق الغني بصدى الذكريات لكتب مادة يفوح منها رائحة قصص الماضي، وحينها تذكرت قصة حجرة تدعى ”بنت حيدر“ عن نساء كن يذهبن إليها نذرا ويضعن فيها أو قربها الطعام ويعتقدن أنه يحقق الحوائج وكان ذلك دافعي لكتابة هذا المقال الذي أحاول أن اجمع بين ما سمعته وما فاه به التاريخ الشفهي الحي.

من أين أبدأ الحديث عن هذه الحجرة؟! أم كيف أغوص في غموض الحكاية؟! هل هي قبر؟ أم رمز تعبدي؟ نساء الماضي كن ينذرن إلى ”حجرة بنت حيدر“ القابعة في مزارع قرب مكان يعتقد أنه مرتبط بالخضر ، يقال إنهن إذا تحقق نذرهن كن يضعن عصيدة أو رزا على ذلك الحجر في فعل يشبه القربان.

ولكن من هي ”بنت حيدر“ يعتقد أن أول امرأة نذرت هناك كانت ابنة شخص اسمه ”حيدر“ ومن هنا أتت التسمية، تقول أمي إنهن كن يحكين في ذكر الحجرة يرون أنها قد تكون مدفونة داخلها وأن من يحمل صواني الطعام يحدث عند سؤاله: «راحين لبنت حيدر».

سمعت أيضا من أحد كبار السن أن الناس كانوا يأكلون مما ينذر عند الحجرة كما أن منطق الأطفال البسيط يمر فيقولون: «بنط الحجرة»، أي أن نساء أحيائهن يفعلن ما يفعلن من طقسية لطيفة برؤية طفولية بريئة.

من ناحية يأتي التناقض بين الخرافة والإيمان ويعتبر النذر إلى الحجرة جهلا والعياذ بالله، لكن من جانب آخر لا يمكن تجاهل ما تحمله تلك الحكايات من بقايا إيمان بني بشر يبحثون عن سبب يتعلق بذلك العالم المجهول، فلو كان عملا منسيا في حداثته، فلماذا ظل يتناقل؟! هل لأن المرأة مظلومة؟ أم لأنها ترتبط بالنسب أو بالبيئة الصوفية أو شيء من هذا القبيل؟

يروى أن ”بنت حيدر“ كانت امرأة تسكن كوخا بين نخيل الخضاري في جزيرة تاروت وأنها تعرضت لجريمة قتل بشعة نتيجة ظلم قاس، أنشأ الناس حجرة لعلامة قبرها فكان حمل الصحون من الدقيق أو العصيدة والحلويات تقليدا لتخليد ذكراها، بل إن البعض يقول: «إذا خاب أملي فلبنت حيدر المكتوب» في تعبير عن الحيرة والنذر للحاجة، وعلى الرغم من غرابة الطقس فإنني أرى فيه شيئا من الصفاء وإيمان الناس وإن بدائيا أنهم وجدوا ترياقا للهم ومنطقا لاحتمال الاستجابة في غير محرمات.

لم يعد اليوم للحجرة أثر ظاهر لكن قصتها رغم تداخلها بالتراث والخرافة لا تزال حية في الألسن، إنها تذكير بأن الإيمان حضاري لكنه ففي أحيان كثيرة ينبع من رغبة في التخلف لا من معرفة علمية ويظل التضامن مع المرأة والتعاطف مع مظلوميتها من أبرز ما يفسر استمرار هذه الحكايات في العقول والقلوب لا للأسطورة، بل كرمز للحنين لا للفزع، حتى لو كانت الحجرة مجرد صخرة فأنها صمدت في ذاكرة أجيال وصارت رمزا لمن فقدت، لمن عانت، ولمن توقع الخير منه رغم أن الزمن قد طواه.

وفي الختام قصص مثل ”حجرة بنت حيدر“ وراءها موروث من الذكريات الذي قد انطبع بالإيمان والتخليد لتاريخ بشري بسيط يتشظى في طقوس خافتة، فهي ليست خرافة بقدر ما هي محاولة جامحة لفهم ما لا نفهم وحفظ ما لم نسمعه في الكتب، وإلى حين أن تكتشف الحقيقة تبقى القصة مثل ”الحجرة“ باقية في قلوب الصغار والكبار تروى وتروى وكل فيها يتمنى أن يستجاب نذره ”علي نياته وما بداخله من توق“.