آخر تحديث: 5 / 12 / 2025م - 1:30 م

تقلبات المشاعر

فاطمة العجمي

قد تعصف بالإنسان بعض التقلبات المزاجية بين ساعات أيامه، فتتقلب تبعًا لها أموره، من راحة وهناء إلى شدة وشقاء، حتى يظن أنه لا مخرج من دوامة الحياة.

يعاني الجميع من تقلبات المزاج والمشاكل التي تحدث إثرها. والأكثر عرضة لهذه التقلبات هي فئة الإناث؛ فكثير من النساء قد يشعرن بتقلبات في المشاعر، وتعكر في المزاج، وبالضيق والكآبة والملل والخمول وكثرة الحزن والرغبة في البكاء بين الحين والآخر، وقد يصلن أيضًا لنوبات الغضب ومن ثم الوقوع في الخلافات والمشاحنات.

تحدث إثرها العديد من المشاكل التي تخلّ بالاستقرار والتوازن.

وكل ذلك يعود لاضطراب الهرمونات الأنثوية، فيؤثر بشكل كبير على الحالة النفسية والجسدية لديها. وبعضهن قد ينتشلهن من هذه المشاعر من هم حولهن من ذوي العقل والحكمة، وبعضهن قد تفترسهن هذه التقلبات وتسيطر عليهن؛ وبالتالي تجعل من كلٍّ منهن امرأة ضعيفة مسلوبة روح الحيوية والنشاط، واقعة في دوامة مشاكل الحياة.

فتتلاطم بها أمواجها وهي لا تدرك أسباب ذلك.

إن الله عز وجل يخاطب السيدة مريم حينما التجأت إليه في شدتها وضعفها، حيث تمنت أنها نسيًا منسيًّا، فقال جل وعلا:

﴿فَنَادَاهَا مِن تَحْتِهَا أَلَّا تَحْزَنِي قَدْ جَعَلَ رَبُّكِ تَحْتَكِ سَرِيًّا * وَهُزِّي إِلَيْكِ بِجِذْعِ النَّخْلَةِ تُسَاقِطْ عَلَيْكِ رُطَبًا جَنِيًّا [مريم: 24-25]

عندما بدأت لحظات تلاطم أمواج حياة السيدة مريم ، ودفعتها آلام الولادة الشديدة التي هاجت بها إلى ترك الأماكن المعمورة والتوجه إلى الصحاري الخالية من البشر والقاحلة التي لا عشب فيها ولا ماء ولا مأوى.

ومع أن النساء يلجأن عادة في مثل هذه الحالة إلى المعارف والأصدقاء ليساعدوهن على الولادة، إلا أن وضع السيدة مريم كان وضعًا استثنائيًّا ولم تكن تريد أن يُرى حملها مطلقًا، فهي اتخذت طريق الصحراء بمجرد أن بدأ ألم الولادة.

ويقول القرآن في ذلك:

﴿فَأَجَاءَهَا الْمَخَاضُ إِلَى? جِذْعِ النَّخْلَةِ [مريم: 23]

والجذع يعني بدن الشجرة اليابس. في هذه الحال غمر كل وجود مريم الطاهر سيل من الغم والحزن، وأحست أن اللحظة التي كانت تخشاها قد حانت، وستتجه نحوها سهام الاتهام التي سيرشقها بها الناس. لقد كان هذا الاضطراب والصراع صعبًا جدًّا، وقد أثقل كاهلها إلى الحد الذي تكلمت فيه بلا إرادة وقالت:

﴿يَا لَيْتَنِي مِتُّ قَبْلَ هَ?ذَا وَكُنتُ نَسْيًا مَّنسِيًّا [مريم: 23]

إن من البديهي أن الخوف من التهم في المستقبل لم يكن الشيء الوحيد الذي كان يعصر قلب مريم ويقلقها، وإن كان هذا الموضوع يشغل تفكيرها أكثر من أية مسألة أخرى، إلا أن مشاكل ومصائب أخرى كوجود الحمل وحدها دون قابلة وصديق ومعين في الصحارى الخالية، وعدم وجود مكان للاستراحة، وعدم وجود الماء للشرب، والطعام للأكل، وعدم وجود وسيلة لحفظ المولود الجديد، وغير هذه الأمور، كانت تهزّها من الأعماق بشدة.

إلا أنها عندما لجأت إلى الله سبحانه وتعالى، جاءها الغوث والنداء منه عز وجل طالبًا منها في تلك اللحظات العصيبة أن تهزّي إليك بجذع النخلة، التي يصعب حتى على الرجل قوي البنية أن يحركه دون أي أدوات مساعدة. فالله عز وجل يوجه الخطاب للنساء كافة، وليس فقط للسيدة مريم ، بأن تهززن جذع القوة والثبات والشموخ والصبر والتحمل، لتتساقط عليكن أجمل وألذ النتائج؛ فإنك تمتلكين طاقات خفية أودعها الله فيك بإمكانك إظهارها لتواجهي تلك المشاكل والتقلبات الوقتية بكل قوة وثبات وشجاعة وتحمل، دون أن تخسري استقرارك واتزانك ونشاطك. فلا تجعلي تلك المشاعر تصرعك وتتمكن منك؛ فلكل إنسان قوى داخلية ينبغي عليه اكتشافها وتنميتها ورعايتها بالعمل والعلم والمعرفة والحكمة والحِلم والصبر، فهي لا تظهر إلا في وقت الشدة والحاجة.

واعلمي أن كل ما تمُرّين به هو مجرد تقلبات مشاعر تزول مع الوقت بالتحلّي بالحِلم والحكمة في التصرف.