آخر تحديث: 5 / 12 / 2025م - 11:57 ص

التنين الصيني يهدد إمبراطورية ألمانيا… صناعة السيارات الألمانية في اختبار تاريخي

باسم آل خزعل

في غضون سنوات قليلة فقط، اختلّ ميزان القوة في صناعة السيارات العالمية بشكل لافت. ما كان يُنظر إليه طويلاً كحلبة مغلقة تتربع عليها ألمانيا وشقيقاتها الأوروبيات، أصبح اليوم مسرحاً لسباق محموم تقوده الصين بسرعة غير مسبوقة، وبقدرات تقنية تهدد العروش القديمة.

لأكثر من قرن، ظلت السيارات الألمانية معياراً للقوة والفخامة والجودة. أسماء مثل النجمة الثلاثية، المروحة الطائرة البافارية، والأربع حلقات كانت تعكس إرثاً صنعته الدقة الهندسية، والابتكار، وثقة رؤساء الدول والملوك وكبار رجال الأعمال. فقد سيطرت الشركات الألمانية لسنوات طويلة على السوق بقوة حضور وصلت في بعض الفترات إلى 30% من سوق السيارات الفاخرة عالمياً، مع سمعة تتفوق فيها على المنافسين من حيث المتانة والتقنيات والهوية المرموقة.

لكن المشهد تغير تدريجياً منذ خمسة أعوام فقط، حين بدأ التنين الصيني يزحف بقوة، مدججاً بالتقنية الحديثة وبأسعار لا يمكن تجاهلها. شركات السيارات الصينية، التي كانت تُعد ناشئة سابقاً، باتت اليوم تسيطر على أكثر من 35% من سوق السيارات الكهربائية العالمية في 2024 م، مع نمو سنوي تجاوز ال 20%. والأهم أن الصين نجحت في تطوير بيئة إنتاج عملاقة تخفض التكاليف وترفع السرعة، حتى أصبحت مصانعها تضخ ملايين المركبات سنوياً بمختلف الفئات.

هذا التوسع لم يكن عددياً فقط، بل تقنياً أيضاً، إذ باتت السيارات الصينية تُقدم ابتكارات كانت تُعتبر حكراً على كبار المصنعين تحد الآن أنظمة قيادة ذاتية متطورة بطاريات أطول عمرا، مقصورات ذكية مرتبطة بهواتف المستخدم جودة تصنيع ارتفعت بنسبة 40% خلال آخر 4 سنوات وفق تقارير الاختبارات الدولية وتصدر متكرر لاختبارات معايير الأمان والسلامة الأوروبية والأمريكية.

هذه الطفرة دفعت دولاً غربية إلى فرض رسوم جمركية ساخنة وصلت في بعض الدول إلى 100% على السيارات الصينية، في محاولة لكبح الغزو التقني الذي بات يهدد مستقبل الصناعة الألمانية والأوروبية والأمريكية على حد سواء.

السؤال الذي يفرض نفسه اليوم، هل يمكن أن نشهد يوماً تتقلص فيه خطوط الإنتاج السيارات الألمانية الفاخرة؟ وهل ستتحول المنافسة من سباق جودة وتقنيات إلى حرب اقتصادية كاملة تستند إلى الضرائب والقيود لحماية ما تبقى من احتكار الدول الأوربية والغربية؟

المؤكد أن العالم يدخل مرحلة ”عولمة سيارات“ جديدة، لم تعد فيها الريادة محجوزة للتاريخ أو العلامات العريقة، بل لمن يملك التقنية الأسرع، والسعر الأكثر جاذبية، وصلابة المنتج لعمر أطول وأكبر في هذه المعادلة، يبدو أن التنين الصيني يرفع سقف التحدي بلا هوادة.

آخر حديثي أقول إن العالم بات يشهد اليوم ”عولمة سيارات“ من طرازات جديدة: ليس فقط عبر التوجه الكهربائي، بل أيضاً من خلال إنتاج تقليدي ضخم يصدر حتى إلى الأسواق الغربية، بتكلفة تنافسية وجودة متزايدة. في هذا السياق، يبدو أن التنين الصيني لا يهدّد فقط تقنيات المستقبل، بل يزاحم أيضاً العروش القديمة لصناعة السيارات الألمانية، الأوربية، الأمريكية والكلاسيكية.