آخر تحديث: 5 / 12 / 2025م - 11:18 ص

التوازن الداخلي

قال تعالى: ﴿قَدْ أَفْلَحَ مَن زَكَّاهَا [ الشمس الآية 9 ].

تحقيق التوازن الداخلي في النفس والذي يقع بين ثناياه صراع بين القيم والأهواء والمشاعر السلبية والمتأججة هو خلاصة تهذيب النفس وتزكيتها، والفرد بين خيار الالتزام بالتفكير الواعي والتمسك بالقيم التي تسمو به إلى علياء كرامته وتكامله، أو الوقوع تحت براثن تحكم الأهواء والانفعالات المؤدية به إلى السقوط في هاوية النقائص والعيوب، وهذا ما يدعوه للتفكير جديا في طريقة التعامل مع العوامل المؤثرة في حياته وعلاقاته، إذ حالة الصراع الداخلي بين نداء العقل والرغبات الغرائزية يحدث حالة من التوتر أو التناقض بين الرغبات النفسية والعقلية التي قد تجر الإنسان إلى مسالك غير صحيحة.

الإنسان مكون من جسم وروح والروح هي جوهر الإنسان، والجسم هو ميدان امتحان الإنسان ووسيلة لتحقيق الكمال الروحي، لذا فإن الصراع بين الرغبات الجسدية التي تُمثل الشهوات النفسية والصوت الداخلي «الروح» الذي يدفع الإنسان نحو التقوى والاستقامة والطهارة النفسية هو جوهر الصراع الداخلي.

ومفهوم الجهاد الأكبر هو الجهاد ضد النفس الأمارة بالسوء، فهذه النفس التي تدفع الإنسان نحو الرغبات المادية والفانية وتبتعد به عن المبادئ الأخلاقية، ويتمثّل الجهاد الأكبر في محاربة هذه النزعات السلبية بتوجيه النفس نحو الفضائل الأخلاقية والعمل على تهذيبها وتربيتها.

وهنا يظهر أهمية العقل كأداة أساسية لتحقيق التوازن بين الرغبات النفسية والطموحات الروحية، فالقواعد العقلية تقود الإنسان إلى معرفة الخير والشر وتقيم علاقة متوازنة بين القلب والعقل.

وهناك العديد من الوسائل التي يمكن أن تساعد المؤمن الشيعي على تجاوز الصراعات الداخلية وتعزيز تربيته النفسية والروحية، ومنها الذكر حيث يُعتبر أحد أرقى الوسائل لتحقيق السكينة الداخلية، ويعيد توازن النفس ويوجهها نحو الإيمان والثقة بالله تعالى، فالذكر يجعل الإنسان في حالة من الاستغراق في الروحانية ويعيد له صفاء القلب والتوازن الداخلي، والصلاة وسيلة لتحقيق الصفاء الروحي الداخلي والتغلب على المشاعر السلبية.

ويعد الاستغفار من أهم وسائل تطهير النفس، حيث يشكل وسيلة للتوبة عن الأخطاء وتجاوز الصراعات النفسية المترتبة على الذنوب ويطهر القلب من الشوائب.

ومراقبة النفس ومحاسبتها بشكل مستمر يشكل ضمانة لتصحيح الأخطاء والتراجع عنها، فالمحاسبة الذاتية هي عملية مستمرة لمراجعة الأفعال والنيات والتصرفات والتوجهات الداخلية، ومما يعين على يقظة النفس في ساحة التحدي ومواجهة النزوات هو الوقوف التأملي على

تعاليم القرآن الكريم والدين الحنيف والذي يعدّ محورا أساسيا في تهذيب النفس وكيفية التحكم في رغباته وشهواته وكيفية السعي لتحقيق الكمال الروحي والإنساني، ويُشجع الفرد على السعي لتحقيق الفوز في الآخرة من خلال الطاعات وتهذيب النفس، إن التفكير في الحساب يوم القيامة يُعتبر حافزا قويا ليعمل على تطهير نفسه وتجنب الصراعات النفسية التي قد تضعفه في مسيرته الأخلاقية والروحية.