آخر تحديث: 5 / 12 / 2025م - 11:21 ص

الهدف الأسمى من الوعي

المهندس أمير الصالح *

عندما سأل أحدَ الحضور سؤالًا عن الغاية العظمى والثمرة الأعلى من تحصيل الوعي، أتته عدة ردود مع بعض التعليقات، ومنها:

1. تشخيص المشكلات وتعيين الخيارات وانتقاء الحلول.

2. تفعيل كل أدوات التحليل لبلوغ المراد وتحقيق الأهداف.

3. الفهم الحقيقي للأمور وتجنب العوائق والفخاخ والتضليل.

4. تحديد نوع وعمق الارتباط مع كل أشكال المحيط واتخاذ الموقف الأنسب من كل جزئية.

5. تطبيق منهج الموضوعية في كل حوار وكل قرار.

6. فهم وإدراك حقيقة الغايات المعبر عنها بالكلمات.

7. الانضباط والالتزام والحزم.

8. الحماية للنفس والأهل من مخاطر متوقعة أو قائمة أو راجحة الوقوع قبل وقوعها.

9. زيادة كفاءة الاتصال الفعّال بين الناس.

10. فرز الدين الصحيح من المزيف ﴿وَكَانُوا لَا يَتَنَاهَوْنَ عَنْ مُنكَرٍ فَعَلُوهُ [المائدة: الآية 79].

11. البصيرة والنجاة.

هل مدّعي الوعي بلغ حقيقة الوعي؟

ادّعاء الكمال والإلمام بالوعي في كل النطاقات والمواضيع من قبل شخص واحد أمر غير واقعي. في كثير من الحقول المعرفية والإيمانية، الوعي يكون فيه عملية تراكمية وتكاملية واستقصائية مستمرة، وفي مجالات أخرى يكون إيمانيًا غيبيًا «الإيمان بوجود الله والإيمان بيوم القيامة»، وفي مجالات أخرى تجريبية متكررة.

مع شديد الأسف، الكثير من الناس يقع في فخ الترند أو فخ التجييش الإعلامي. راجع كتاب ”حرب الخليج… أوهام القوة والنصر“. عندما تقرأ كتبًا أكثر في ذات المجال، تزداد مساحة الرؤية والضوء في معرفة الحياة وكواليسها في ذاك الموضوع.

حدثني أحدهم عن توصية بقراءة كتاب: التفكير الصحيح والتفكير الأعوج، وأوصاني آخر بقراءة كتاب المسلم الصالح والمسلم الطالح للممداني، وأرسل لي شخص ثالث ملخصًا لكتاب التفكير السريع والتفكير البطيء. هنا تساءلت: هل قراءة أكثر تعني وعيًا أكبر؟

اختطاف الوعي

الوعي أنواع، ومنها: الوعي الاقتصادي، السياسي، المهني، العقاري، القانوني، التربوي، الأخلاقي… إلخ.

في عالم الإعلام، الكلمات البراقة، والحوارات المنمقة، والشعارات الجذابة، والأضواء الساطعة، والمعارض الفاخرة، والتغطيات التلفزيونية الفضائية المتلاحقة، تسقط المصاديق أمام الاختبارات السلوكية المفصلية، حيث انكشاف ازدواجية المعايير وزيف الادعاءات لدى الكثير من الناس.

فمثلًا، البهرجة الصورية لبعض أهل الوجاهة في الأسواق العالمية، والأزياء الكرنفالية لبعض منتحلي التديّن، قد تخدع قليلي ومنعدمي الوعي، فيتكبدوا خسائر مالية كبيرة، أو يخسروا آخرتهم، أو يخسروا دنياهم وآخرتهم.

والبعض قد يقع في فخاخ الحملات الدعائية من شائعات كاذبة أو تهويل نبأ محدد، حيث تُمارس عملية غسيل الأدمغة.

هل الجهل فضيلة؟

كلّ العقلاء يطبّقون قوله تعالى: ﴿قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَالَّذِينَ لَا يَعْلَمُونَ [الزمر: الآية 9]

لتحفيز الناس على إحراز أكبر قدر من العلم والمعرفة، واستنطاق الحقائق، واكتشاف أسرار الكون، وامتلاك التقنيات العلمية.

تفوق بعض الأمم بالمعرفة والوعي والثقافة والإنتاج جعلهم سادة الأرض اقتصاديًا وعسكريًا، وتخلف وجهل أمم أخرى جعلهم يعيشون على هامش التاريخ.

البعض لديه طاقة محدودة في الاستيعاب، وعليه يضيق مزاجه عند احتدام النقاش في العمق، وبذلك يفرّ أو يتجاهل أو يفضّل عدم المعرفة ببعض الأمور التي تحتاج إلى إلمامٍ متين.

ويروج البعض لمقولة: الجاهل مرتاح، والواقع أن الجاهل ضحية.

الوعي

الوعي على المستوى الاقتصادي يعني التنمية المستدامة، وعلى المستوى المالي يعني الكرامة المالية وزيادة الموارد، وعلى مستوى إدارة المشاعر يعني الذكاء العاطفي، وعلى مستوى إدارة شؤون الحياة يعني السعادة والمعرفة، وعلى مستوى الإرادة في اتخاذ القرار يعني صيانة الاستقلال.

صيانة وحماية العقول فريضة شرعية، كما قال تعالى:

﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ جَاءَكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَإٍ فَتَبَيَّنُوا [الحجرات: الآية 6]

والمطلوب هو التدقيق والتحقيق والاستكشاف للحقائق.

الفقه والحكمة والوعي

تفقهوا؛ إذا كان الفقه بمعنى الفهم العميق للدين وتداخلاته بالحياة والسلوك والمعاملات، فهو فقه ناضج وحيّ وحيوي. أما إذا كان الفقه محصورًا في فقه العبادات داخل دور العبادة، فهو مجتزأ.

وفي الرواية عن آل بيت النبي : «العالم بزمانه لا تهجم عليه اللوابس»، وهي مصداق للحكمة والوعي والواقعية.

فإن انعدام الرؤية المتكاملة لدى الشخص الواعي أو مدّعي الوعي للحياة بلحاظ الزمان والمكان قد يؤدي إلى ما يطابق التشخيص التالي:

«لَحَمَلْنَا ذُنُوبَ جُهَّالِكُمْ عَلَى عُلَمَائِكُمْ»،

وهي مناشدة ومطالبة للواعين، تُعنى بأهمية التوعية المحقة للمحيط البشري، لا سيما الجهّال.

الوعي والتوظيف

عبر التاريخ، هناك توظيفات مختلفة لبعض مدّعي الثقافة من المتحدثين البارعين، وبعض حملة الألقاب الأكاديمية، وبعض حملة الشهادات العليا، بما يخلق بلبلة وتشويشًا، وقد نتج وينتج عن ذلك وعي مزيف.

ولوجود تضارب مصالح بين بني البشر، فحتماً هناك مستفيد من هكذا وعي مزيف. وعليه، لا بدّ من التحقق من المصادر والغايات.