آخر تحديث: 5 / 12 / 2025م - 3:54 م

المصل المضاد لفيروس القطيع

الدكتور نادر الخاطر *

نحن بشر، وإن أُهمل وعينا، سنصفق للزلزال ونظنه عيداً. فالثقافة ليست تكديساً للمعلومات، بل ميزان للإنسانية يوجه البوصلة نحو الصواب، ويحرر العقل من «برمجة القطيع» التي تطفئ التفكير الفردي وتخضع الإنسان لسلطة الغير.

الوعي الحقيقي هو أن لا تسمح لصاحب النرجسية أن يقودك إلى الهاوية وأنت تظن أنك تسير نحو الجنة، مدفوعاً بغروره وتعاليه على البشر. فكم من نرجسي صنع مجده من تحقير الآخرين! وقد عبرت الميثولوجيا القديمة عن هذا المرض حين روت قصة «نرجس» الذي عشق انعكاس صورته في الماء حتى هلك وهو يحدق في وهم جماله، فأنبتت الأرض زهرة سميت باسمه. كان موته خلاصة الغرور حين يتحول الإنسان إلى أسير لصورته.

ومن يحاول أن يتحرر من «فيروس القطيع» سيواجه زنازين مزينة بالورود، وأكواباً من الوهم تقدم له حتى يرضخ، فيصفق للأخطاء ويحتفل بالخراب ظاناً أنه يعيش في عيد دائم. فالمجتمع أحياناً يجمل القيود كي لا ترى القيد.

وقد أثبت عالم النفس سولومون آش هذه الحقيقة في تجربته الشهيرة حول ضغط الجماعة، حين جمع ثمانية طلاب في اختبار إدراكي بسيط. كان سبعة منهم ممثلين متفقين مسبقاً، وواحد فقط هو المشارك الحقيقي. عرضت عليهم خطوط بأطوال مختلفة وسئلوا: أيها يطابق الخط الأول؟ رغم وضوح الإجابة الصحيحة، اتفق الممثلون على إجابة خاطئة، ولم يلبث المشارك الحقيقي أن انساق معهم، خاضعاً لتأثير الجماعة ضد يقينه البصري والعقلي.

إنها التجربة التي كشفت هشاشة استقلالنا حين يحاصرنا الإجماع، وحين نخشى أن نبدو مختلفين.

ولعل الرسالة الأهم التي ينبغي ألا تغيب: لا تجعل من آراء النرجسيين ولا من أصوات الأغلبية إنجيلاً يتلى. استخدم عقلك المثقف، وامش بثبات في طريق الحق وإن قل سالكوه. فكما قال الإمام علي بن أبي طالب :

”لا تستوحشوا طريق الحق لقلة سالكيه“.