آخر تحديث: 5 / 12 / 2025م - 2:41 م

من سيهات إلى القمة… الخليج يكتب فصول التميز والتاريخ

عاطف بن علي الأسود *

نادي الخليج بسيهات ليس مجرد مؤسسة رياضية، بل هو صرح اجتماعي وثقافي يمثل عمق الانتماء وروح الإصرار لدى أبناء سيهات. فمنذ تأسيسه عام 1945، ظل الخليج رمزًا للتميز والانضباط، ونموذجًا يحتذى به في كيفية الجمع بين الإنجازات الرياضية والبناء المجتمعي. هذا النادي لم يكتفِ بالمشاركة في البطولات، بل صنع الحضور وكتب التاريخ عبر أجيال من اللاعبين، المدربين، والجماهير الذين حملوا على عاتقهم رسالة النادي وقيمه، وجعلوا منه قصة نجاح تتجاوز الملعب لتؤثر في المجتمع بأسره.

في الموسم الحالي، أصبح الخليج عنوانًا للانضباط الفني والعمل الجماعي، حيث تأهل الفريق إلى دور الثمانية بعد أداء مميز يعكس مدى التطور الكبير تحت قيادة المدرب جورجيوس دونيس، الذي قدّم كرة حديثة تجمع بين الجمال الفني والفاعلية الهجومية. وقد تمكن الفريق من فرض حضوره على جميع المنافسين، مقدمًا نموذجًا للفريق المحترف الذي يحقق النتائج من خلال الانضباط، التعاون، والالتزام بالخطط التكتيكية، بعيدًا عن الاعتماد على الحظ أو الصدفة.

هذا النجاح لم يكن وليد الصدفة، بل نتاج منظومة متكاملة من التخطيط والإعداد، والدعم الجماهيري، ورؤية قيادية واضحة، وعزيمة اللاعبين الذين يلعبون بروح واحدة وقلب واحد. فكل هدف، كل تمريرة، وكل لحظة في الملعب تعكس مدى الجهد المبذول وراء الكواليس، سواء من الجهاز الفني أو الإدارة أو حتى من الجماهير التي تشكل القلب النابض للنادي. هؤلاء المشجعون لا يشجعون من أجل الفوز فقط، بل يؤمنون برسالة النادي ويعتزون بألوانه وتاريخه، مما يجعل كل انتصار جزءًا من هوية سيهات وانتمائها.

ولا يمكن الحديث عن نجاح الخليج دون الإشارة إلى دور رجال الأعمال والشخصيات المجتمعية الذين ساندوا النادي ماديًا ومعنويًا على مر العقود. فقد كان الدكتور عبد الله السيهاتي رمزًا للرؤية والحرص على تمكين الشباب، مقدماً الدعم الحكيم والمستمر للنادي، ليس فقط من منطلق استثماري، بل من إيمان بأهمية الرياضة في تنمية المجتمع وصقل المهارات والطاقات. كما كان الشيخ عبد الله المطرود - رحمه الله - مثالًا في التفاني والعطاء، مساهمًا في بناء قاعدة متينة من القيم والانتماء، إلى جانب العديد من الشخصيات المجتمعية الأخرى الذين لم يبخلوا بوقتهم أو دعمهم المادي والمعنوي للنادي، مما جعل الخليج اليوم منارة رياضية واجتماعية لأجيال سيهات كافة.

إن مساهمة هؤلاء الرواد لا تقتصر على الدعم المالي فقط، بل تمتد إلى توجيه الشباب وتطوير البرامج الرياضية والاجتماعية، وتعزيز القيم الوطنية والانتماء المجتمعي. لقد شكل هؤلاء الأعمدة قاعدة صلبة للنادي، ليصبح مثالًا حيًا على أن النجاح الرياضي يرتبط ارتباطًا وثيقًا بالمسؤولية الاجتماعية، وأن الاستثمار في الرياضة هو استثمار في الأجيال القادمة.

ومن الناحية الرياضية، يقدم فريق الخليج أداءً منظمًا ووعيًا تكتيكيًا يعكس جودة الإعداد واحترافية الجهاز الفني، مع روح اللاعبين الذين يجسدون شعار النادي على أرض الملعب. تأهله إلى دور الثمانية لم يكن حدثًا عابرًا، بل نتاج سنوات من العمل الدؤوب، وتخطيط هادئ، واستثمار حكيم في الموارد البشرية والمادية. كل مباراة يشارك فيها الفريق، وكل بطولة يتأهل لها، هي درس حي في الانضباط، الصبر، والعمل الجماعي، ويشهد على قوة منظومة النادي واستدامة رؤيته.

ولا يمكن إغفال الأثر الاجتماعي للنادي على الأجيال القادمة. الخليج لا يقتصر دوره على النتائج الرياضية، بل هو مدرسة للقيم الوطنية، ومكان لتنشئة الشباب على الانتماء، الاحترام، والعمل الجماعي. من خلال برامج النادي ومشاركاته المجتمعية، يتعلم الشباب أن الرياضة ليست مجرد منافسة، بل وسيلة لبناء الشخصية، وتعزيز الانضباط، وتنمية مهارات القيادة، وتحفيز روح المبادرة والمسؤولية. كل لاعب صاعد، وكل متطوع، وكل شاب يستفيد من برامج النادي، هو جزء من إرث يمتد ليبني مجتمعًا متكاملًا قادرًا على الحفاظ على مكتسباته والانطلاق نحو المستقبل.

وفي الوقت نفسه، يواصل النادي دوره في ترسيخ قيم التعاون بين الأجيال، من خلال إشراك كبار السن من الرواد والداعمين في التوجيه، ونقل الخبرات والتجارب، ليصبح الخليج نموذجًا حقيقيًا لكيفية المزج بين الحاضر والماضي والمستقبل، مع الحرص على أن يبقى النادي دائمًا رمزًا للوحدة الوطنية والانتماء الصادق للمجتمع والمدينة والمنطقة الشرقية.

اليوم، يقف الخليج على أعتاب مرحلة جديدة من الطموح، مرحلة تتطلب استمرار هذا الزخم الفني والإداري والجماهيري، وتأكيدًا على أن الرياضة ليست مجرد ألقاب، بل قوة مجتمعية تبني الإنسان، وتغرس القيم، وتزرع روح المنافسة النزيهة والتحدي الشريف. إن تأهله إلى دور الثمانية هو تتويج لمسيرة طويلة من العطاء المستمر، ورسالة واضحة بأن النادي يسير بخطى ثابتة نحو مستقبل مشرق يليق بتاريخ سيهات واسم الخليج الكبير.

إنني أكتب هذه الكلمات بفخر واعتزاز لأن ما يقدمه نادي الخليج بسيهات هو نموذج مشرف للرياضة السعودية الحديثة، ويعكس ما يمكن أن تحققه الإرادة والعزيمة حين تُدار بعقلية واعية وإيمان حقيقي بالعمل الجماعي. كل التهنئة لنادي الخليج إدارةً وجهازًا فنيًا ولاعبين وجماهير على هذا الإنجاز المستحق، وكل الشكر والتقدير لرجال الأعمال والشخصيات المجتمعية التي غرسوا البذرة وسقوها بالعطاء والإيمان، لتثمر اليوم أجيالًا تحمل الراية وتواصل المسيرة وتحقق الانتصارات التي نرفع بها اسم الخليج عاليًا في كل المحافل الرياضية والبطولات. وبفضل هذا الدعم، تظل سيهات دائمًا منارة للفخر والتميز وروح الانتصار، نموذجًا يحتذى به للأجيال القادمة.

دراسات عليا اقتصاد صحي