آخر تحديث: 5 / 12 / 2025م - 11:21 ص

التغذية والتوتر… كيف تجعل طعامك صديقًا لراحتك النفسية؟

رضي منصور العسيف *

نظرتُ إليها مبتسمًا وقلت:

— ”وزنك لم يتغيّر هذه المرة… في الزيارة السابقة فقدتِ خمسة كيلوجرامات، أما الآن فالأرقام ثابتة.“

تنهدت وقالت بابتسامة باهتة:

— ”الحمد لله… على الأقل لم يرتفع.“

سألتها:

— ”وما السبب يا ترى؟“

هزّت رأسها بإرهاق، وقالت بصراحةٍ تشبه الاعتراف:

— ”كنتُ متوترة جدًا هذا الشهر، وكلما شعرت بالضغط توجهت للمطبخ… الأكل كان ملجئي الوحيد.“

ابتسمتُ وأجبتها بلطف:

— ”قلتُ لك سابقًا… التغذية السليمة ليست رفاهية ولا برنامجًا مؤقتًا. الحمية ليست جدولًا نلتزم به أسبوعًا، بل أسلوب حياة يصاحبنا في الرخاء والضغط، في لحظات الفرح والضيق.“

ثم أكملتُ:

— ”هل تعلمين أن الطعام الصحي قادر على كبح التوتر، ورفع مستوى الذهن، وتحسين المزاج؟ حين يُحرم جسدك من غذائه الحقيقي، يصبح التوتر أثقل، والتعب أسرع، والمشاعر أكثر اضطرابًا. لكن عندما تُطعِمين جسدك ما يحتاج، فإنك تمنحين نفسك فرصة للهدوء والاتزان والإنجاز.“

رفعت رأسها وقالت:

— ”وماذا أفعل؟ دلّني.“

ابتسمتُ وقلت:

”خطوات صغيرة… لكنها تصنع تغييرات كبيرة في حياتك.“

أولًا: تناول وجباتك بانتظام

دماغك لا يعمل بالفراغ… يحتاج طاقة، وتلك الطاقة مصدرها الجلوكوز.

عندما تأكلين على فترات منتظمة، يستقر سكر الدم، فيتحسن تركيزك وقدرتك على التفكير.

الدراسات أثبتت أن الطلاب والموظفين الذين يحافظون على استقرار سكر الدم يحققون أداءً ذهنيًا أفضل.

ثانيًا: اختاري الدهون الذكية

ليست كل الدهون عدوًا!

أحماض أوميغا 3 الموجودة في الجوز وبذور الكتان وزيت السمك، بمثابة غذاء للدماغ.

نقصها يرتبط بالقلق والاكتئاب، بينما وجودها يمنح صفاءً وهدوءًا داخليًا.

ثالثًا: اجعلي الخضار جزءًا من يومك

كلما ازدادت ألوان طبقك، ازدادت مناعتك.

الخضار والفواكه تحارب آثار التوتر، والورقيات تحديدًا تقلل الجزيئات الضارة التي تتكاثر مع الضغط النفسي.

رابعًا: زيدي حصتك من الألياف

الألياف لا تنظم الهضم فقط… بل تمنحك طاقة هادئة واستقرارًا نفسيًا.

الشوفان، المكسرات، الجزر، التفاح، الخضروات… أطعمة تبدو بسيطة، لكنها تصنع فرقًا كبيرًا.

خامسًا: لا تجعلي الكافيين دواءك السحري

الكافيين أحيانًا يُهدّئ الإرهاق لحظيًا، لكنه قد يزيد القلق ويرفع الضغط.

والحقيقة أن كوب القهوة لا يعوّض ساعات النوم.

النوم الكافي هو العلاج الأصدق… هو الشاحن الحقيقي للجسم والعقل.

سادسًا: احملي معك وجبات خفيفة ذكية

لأيام العمل المزدحمة:

بعض المكسرات، فاكهة، شرائح جزر وخيار.

حين نستعد مسبقًا، نقلّل كثيرًا من لحظات الضعف أمام الوجبات السريعة والحلويات.

سابعًا: قاطع أطعمة القيمة المنخفضة

الحلويات والوجبات المليئة بالسعرات والفارغة من الفائدة… لا تُسكِت التوتر، بل تزيده.

ثامنًا: الماء… أصدق المشروبات

عند الشعور بالجوع المفاجئ، جرّبي أولًا شرب كوب ماء، فالعطش قد يتخفّى أحيانًا في صورة جوع. الماء يساعد على امتلاء المعدة، ويقلّل الرغبة في تناول الحلويات، وينشّط عملية الأيض دون أي سعرات حرارية. ألم يقل الله تعالى: ﴿وَجَعَلْنَا مِنَ الْمَاءِ كُلَّ شَيْءٍ حَيٍّ ؟

تذكّر دائمًا…

التوتر لن يختفي من حياتنا، لكن طريقة تعاملنا معه هي التي تحدد النتيجة:

إما صحة… أو إنهاك.

إما تفكير صافٍ… أو إرهاق متراكم.

اجعل طعامك دواءك، واجعل علاقتك مع جسدك قائمة على الرحمة، لا على الانتقام منه بالطعام.

فالتغذية ليست فقط ما نأكله… بل كيف نحب أنفسنا من خلال ما نختار أن نضعه في أطباقنا. صحتك تبدأ من لقمة واعية… ومن قرار صغير يُصنع اليوم، ليغيّر غدك.

كاتب وأخصائي تغذية- القطيف