آخر تحديث: 5 / 12 / 2025م - 1:30 م

حاضنة تربوية

حكيمة آل نصيف

الإنسان يأتي لهذه الدنيا كأنه صفحة ناصعة البياض حاملا بين جنباته الفطرة السليمة من النقاء والصفاء القلبي والعقلي، ولديه قابلية فطرية لتلقي القيم الإنسانية والأخلاقية والدينية، بعدها يأتي المؤثر الأول والأقوى وهو محيطه الأسري المتمثل بوالديه، وهما أقوى العناصر التي من شأنها ترسيخ فطرته السليمة بقيمها الدينية وصياغة أفكاره ورسم مستقبله نحو الخير والصلاح أو نحو طريق الهلاك.

صحيح أن الإنسان يولد وفطرته سليمة لكن هذه الفطرة لها قابلية واستعداد للتسامي والعلو أو الانحطاط، من خلال ما يتلقاه الطفل في مقتبل عمره من تربية وتوجيه وبالذات في بدايات طفولته وسنوات عمره الأولى، حيث تمثل هذه المرحلة من حياته مرحلة التشكيل والبناء لسلوكياته وقيمه الدينية والإنسانية.

الطفل في هذه المرحلة يتفاعل بقوة مع محيطه البيئي ويعمل عقله على تخزين كل ما يشاهده من مؤثرات حوله ويبدأ بعد ذلك ببرمجتها وتطبيقها كما شاهدها.

في هذه المرحلة الرفيق الملاصق له أغلب أوقاته هي الأم وهنا يظهر تأثيرها الإيجابي أو السلبي على شخصيته، فالأم بنظر هذا الصغير كالوعاء الزاخر يغرف منه ما لذّ وطاب لقلبه وعقله، وهذا ما يستوجب عليها أن تحسن ما يغترفه صغيرها منها، ومراعاة كل القيم والأخلاقيات التي تريد أن تعلمها لطفلها مبتدأة بنفسها، فمتى ما كانت الأم على خلق ودين وأدب مراعية حقوق الله تعالى والأمانة الملقاة على عاتقها سينشأ ويتخرج من بين جنباتها طفل سوي يسير بنهج قويم.

الطفل يتأثر بكل سلوك من والدته عبادتها ومحافظتها على دينها وتصرفاتها السلوكية حتى النظرة والكلمة ونبرات صوتها وتعاملها مع الآخرين، كل ذلك يحاكيه الطفل منها ويتعلمه تلقائيا بدون تلقين لأنه يرى كل تصرف منها لا بد أن يكون صحيحا وسليما.

ومن جانب آخر فإن الأم التي تعتقد أن التربية والتهذيب وتعديل سلوك الطفل يأتي بالأوامر والنواهي والتعامل الصارم فقط غير صحيح، بل لا بد أن تكون مرآة صافية ينظر إليها الطفل فيزداد صفاء ونقاء، وأن تعلمه بالحب والحنان وتكون قدوة صالحة ترسم وتحفر في نفسه معنى الحب الحقيقي والتعامل الطيب من خلال الدروس التي يتلقاها منها، فهي تريده فردا صالحا محافظا على فروضه وواجباته أمام خالقه عز وجل، وأن يرى منها ذلك بمحافظتها على أوقات الصلاة ومراعاة حجابها والبعد عن أذية الآخرين حتى بالنظرة المتعالية والكلمة المسيئة.

تريد أن تصنع منه إنسانا ذا أخلاق سامية ليرى منها التعاطف والإحساس بالآخرين والاحترام والتقدير لهم والوقوف بجانبهم في الشدة ووقت الحاجة، تريد ابنا يخاف الله تعالى في كل عمل وسلوك، فلا بد أن تبعده عن الكذب والحقد والخيانة من خلال سلوكياتها مبتعدة عن المشاعر السلبية والحسد والنظرة الدونية للغير وتنمّي القيم الإنسانية في عقله وقلبه، حينها ستكون مثله الأعلى فنراه مبادرا لكل سلوك حسن ومبتعدا عن كل ما يشين فطرته الصالحة.

صناعة الإنسان المسؤول الذي يعرف المسؤولية ويحسن رعايتها مهمة كبرى، فالأم متى ما عملت على صياغة شخصية ابنها بأن يكون لديه إحساس بالأمانة التي يحملها، حينئذ تبرز الأم إنسانا بالفعل قادرا على تحمل أعباء الحياة ومسؤولا - مسؤولية تامة -، وليس بشخص تافه ليس لديه أي أهداف في الحياة يعيش حالة العبثية والفوضى في جميع جوانب حياته، لذا أيتها الأم كوني النبراس الذي يستضيء به الأبناء والطريق الذي يسيرون فيه بثبات وقيم راسخة.