آخر تحديث: 1 / 4 / 2025م - 5:37 م

الإمام الحسن المجتبى في مرآة الشعر: قراءة نقدية في قصيدة مرتضى الخويلدي

عماد آل عبيدان

تعدّ هذه القصيدة من أبرز الأعمال الشعرية الحديثة التي تنبض بقوة الفكر وعمق الرؤية وثراء اللغة، وهي نموذج متكامل لجمع الشاعر بين البلاغة، الفكر، والتاريخ. وقد صاغها مرتضى الخويلدي بأسلوب بديع يجمع بين الإبداع الفني والتعبير الوجداني المتقد بحب آل البيت ، معتمدًا على تقنيات أدبية حديثة تجسّد رؤيته العميقة للإمام الحسن المجتبى .

أولًا: البنية الموضوعية والفكرية

1. التيمة الأساسية

القصيدة تتخذ من الإمام الحسن محورًا أساسًا، مستعرضةً أبعاد شخصيته المتعددة:

• السياسية: حيث أظهر الشاعر بذكاءٍ كيف كان الإمام الحسن رجل دولة وسياسة فاق أقرانه في استراتيجياته.

• الدينية: إذ صوّره كنموذج حيٍّ للنبوة والإمامة.

• الاجتماعية: حيث برزت قدرته على لمّ شمل الأمة في حقبة مضطربة.

2. البناء التاريخي

القصيدة تتكئ على وقائع تاريخية مفصلية، مثل صلح الإمام الحسن، وتداعياتها السياسية والاجتماعية، وقد جسّدها الشاعر بحنكةٍ عميقة في البيت:

"أيا جامع الضدّين حربُك هدنةٌ

وهدنتكُ اندكّت كيومِ القيامةِ"

هذا الجمع بين التضادين «الحرب والهدنة» يعكس عبقرية الإمام الحسن في توظيف السلم كأداة نصر استراتيجي، حيث قدّم الهدنة كخطوة متقدمة في فنون السياسة، وهو ما أكّده البيت:

"يظنّون سوءًا حينَ ظنّت ظنونهم

بأنّك لم تُدرك فنونَ السياسةِ"

3. البعد الرمزي

يوظّف الشاعر رموزًا قوية ذات دلالات روحية وفكرية:

• ”وقوفُكَ مشغولاً بِصنعِ الإقامةِ“ - > دلالة على حرص الإمام الحسن على الحفاظ على القيم الإيمانية رغم محاولات التشويه والخذلان.

• ”وأذّن متى ما شئت حتى يشدّني“ - > إشارة إلى كون الإمام رمزًا خالدًا لصوت الحق الذي لا يخبو.

ثانيًا: البنية الفنية والجمالية

1. اللغة الشعرية

اعتمد الشاعر على لغةٍ تمتاز بالرقي والفخامة، وتفيض بالصور البلاغية الدقيقة التي تخدم المعنى دون تكلف.

• استخدام المفردات ذات الطابع التاريخي مثل ”عام الجماعة“ و”صلحك“ يعكس وعي الشاعر بدور الإمام في صناعة التاريخ.

• أما ألفاظ مثل ”بوحٌ“، ”مزن قداسة“، ”وجه الغيم“، فتعكس الجانب الروحي المقدس في شخصية الإمام.

2. الصور البيانية

أبدع الشاعر في توظيف الاستعارات والتشبيهات لتكثيف المعنى وإضفاء جمالية على النص.

• استعارة الإمام بالسفينة في قوله:

"على ضفّتيه قد بنيت سفائني

وأبحرتُ من ذلّي لشطّ الكرامةِ"

هذه الصورة تُحاكي رمزية الإمام كسفينة نجاة تُنقذ الأمة من الضياع.

• التشبيه في البيت:

”تحطّمَ في كفّيك مثل قلامةِ“

يعكس انتصار الإمام الحسن الحاسم على الفتن، في صورةٍ تجمع بين البساطة والعمق.

3. التناص

وظّف الشاعر إشارات قرآنية بذكاء، كما في قوله:

"ألم يقرأو في وجهك الغضّ آيةً

وأنّ نبيّا لفّ خامَ العمامةِ"

هذا التوظيف يعكس ارتباط الإمام الحسن بالمنهج النبوي، مستحضرًا قوله تعالى:

﴿وَمَا يَنْطِقُ عَنِ الْهَوَى * إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحَى [النجم: آية 3,4].

ثالثًا: البناء الإيقاعي

1. الوزن والقافية

القصيدة جاءت على بحر الطويل «فعولن مفاعلين فعولن مفاعلن» الذي يمتاز بمرونته في التعبير عن المعاني العاطفية والفكرية العميقة.

أما القافية فجاءت موحدة بلفظة تنتهي بتاء مفتوحة متبوعة بهمزة الوصل أو الألف، ما أكسب النصّ تناغمًا موسيقيًا يليق بجو القصيدة الرصين.

2. التكرار

استخدم الشاعر التكرار لإبراز المحاور الرئيسة في النص، كقوله:

”وأنّك… وأنّك…“

”وأذّن… وأذّن…“

هذا التكرار يرسّخ صورة الإمام الحسن كنموذج خالد في وجدان الأمة.

رابعًا: الأبعاد الدلالية والفكرية

1. البعد العقائدي

القصيدة تُقدّم الإمام الحسن كامتداد للنبوة، كما في البيت:

"كأنّك جسّدت النبوةَ تارةً

وتاراتك الأخرى نصيبُ الإمامةِ"

2. البعد الفلسفي

الشاعر يطرح تأملًا عميقًا في معادلة الحرب والسلم، مؤكدًا أن الهدنة لم تكن ضعفًا بل كانت فعلاً سياسيًا عبقريًا.

3. البعد النفسي

برزت في الأبيات لمحات من التأمل العاطفي والوجداني، مثل:

"أيا لغةَ الأشجارِ في صمتِ جدبنا

ويا بردَ ذاك الظلّ تحتَ الغمامةِ"

هذه الصور تنقل إحساسًا بالطمأنينة والسكينة التي تجلبها سيرة الإمام الحسن.

خامسًا: التأثير الثقافي والتاريخي

تمثل القصيدة إضافةً نوعية في الأدب الحديث، حيث استطاع الشاعر أن يدمج بين الرؤية الأدبية العميقة، والطرح التاريخي الموثق، والعاطفة الصادقة في مدح الإمام الحسن .

نبضة ختام

قصيدة الشاعر مرتضى الخويلدي تعدّ عملًا إبداعيًا متكاملًا، جمع بين أصالة الموضوع وعمق الفكرة وجمالية الأسلوب. استطاع الشاعر أن ينقل شخصية الإمام الحسن المجتبى في إطارٍ أدبي متقن يعكس قوة الفكر البلاغي والتاريخي مع رؤية حديثة مبتكرة.

هذه القصيدة تتجاوز المدح التقليدي لتصبح تأملًا فكريًا وفنيًا في شخصية عظيمة، ممزوجًا بإحساس وجداني عميق وطرح ثقافي متكامل، مما يجعلها علامة فارقة في الأدب الحديث ومدرسة بحد ذاتها في مدح الإمام الحسن .