ليلة القدر.. الفرصة الذهبية التي قد لا تتكرر
ليلة القدر هي أعظم ليالي العام، الليلة التي تنزل فيها الملائكة، وتُفتح فيها أبواب الرحمة والمغفرة، وتُكتب فيها الأقدار. إنها فرصة إلهية لا تعوض، فرصة قد تغيّر مصير الإنسان وتفتح له أبواب الخير والبركة إلى الأبد. فكيف يمكن لأي عاقل أن يدعها تمر دون أن يغتنمها؟
إنها الليلة التي قال الله عنها: ”خير من ألف شهر“، أي أن عبادتها تعادل عبادة أكثر من ثلاث وثمانين سنة. تأمل هذا الرقم جيدًا، فركعة واحدة فيها، أو دعاء واحد، أو دمعة توبة صادقة، قد تساوي عمرًا كاملًا من العبادة. فهل هناك مكسب أعظم من ذلك؟
لا ينبغي أن تكون ليلة القدر ليلة عادية في حياتنا، بل يجب أن نعيشها بقلوبنا وعقولنا وأرواحنا. إنها ليست ليلة فقط للقيام والصلاة، بل هي ليلة للتغيير الحقيقي. هي لحظة صدق مع النفس، لحظة نقرر فيها أن نكون أقرب إلى الله، أن نتخلى عن ذنوبنا وأخطائنا، أن نبدأ عهدًا جديدًا مع الخالق الكريم.
إن إحياء هذه الليلة لا يقتصر على الصلاة والدعاء فقط، بل يشمل كل عمل يقربنا إلى الله. رفع المصحف على الرأس والتوسل بالقرآن الكريم، تلاوة السور المستحبة كسورة العنكبوت والروم والدخان، الإكثار من ذكر الله والاستغفار، والتوسل بدعاء الجوشن الكبير الذي يفيض بأسماء الله الحسنى ويمتلئ بنور الرجاء والرحمة.
ومن أعظم الأدعية التي أوصى بها النبي محمد ﷺ في هذه الليلة: ”اللهم إنك عفو تحب العفو فاعف عني“. إنها كلمات قليلة، لكنها تحمل سر المغفرة، وتفتح أبواب الرحمة لمن قالها بقلب خاشع. لا تدع لسانك يجف من تكرارها، فربما تكون سببًا في أن يكتبك الله من العتقاء من النار.
الليلة ليست للنوم، ليست للانشغال بأمور الدنيا، بل هي ليلة يجب أن نصرف كل لحظة فيها في التقرب إلى الله. تأمل أنك قد لا تدركها العام المقبل، تأمل أنها قد تكون فرصتك الأخيرة لتغيير حياتك، فلا تفرط فيها. اجعل قلبك حاضرًا، ابكِ بين يدي الله، اطلب منه ما تريد، ادعُ لنفسك ولأهلك وللأمة كلها، فهذه الليلة أبواب السماء مفتوحة، والله قريب يجيب دعوة الداعي إذا دعاه.
لا تخرج من هذه الليلة إلا وأنت تشعر أنك أقرب إلى الله، أنك طهرت قلبك من الذنوب، وأنك عاهدت نفسك على السير في طريق الخير. فالرابح الحقيقي في ليلة القدر هو من يخرج منها وقد كُتب من الفائزين، ومن ضيعها فقد خسر خسارة لا تعوض.
اللهم لا تحرمنا فضل هذه الليلة، ولا تخرجنا منها إلا وقد غفرت لنا، ورضيت عنا، وكتبت لنا فيها الخير والسعادة في الدنيا والآخرة وأن يعتق رقابنا جميعا من النار.