آخر تحديث: 1 / 4 / 2025م - 7:24 م

شهادة إمام الأمة

عبد الرزاق الكوي

قال تعالى في محكم كتابه:

﴿وَلَا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَمْوَاتًا بَلْ أَحْيَاءٌ عِنْدَ رَبِّهِمْ يُرْزَقُونَ * فَرِحِينَ بِمَا آتَاهُمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ وَيَسْتَبْشِرُونَ بِالَّذِينَ لَمْ يَلْحَقُوا بِهِمْ مِنْ خَلْفِهِمْ أَلَّا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ * يَسْتَبْشِرُونَ بِنِعْمَةٍ مِنَ اللَّهِ وَفَضْلٍ وَأَنَّ اللَّهَ لَا يُضِيعُ أَجْرَ الْمُؤْمِنِينَ [آل عمران: آية 169 - 171]

صدق الله العظيم

الكتابة عن مقام ومكانة أمير المؤمنين إمام الأمة ، عمرًا قصيرًا كان حافلًا في عمره الافتراضي كبيرًا على مر الزمان بالعطاء لرضا الله تعالى ورسوله ﷺ ينتسب للبيوتات العريقة قبل الإسلام، وأصبحت أكثر عراقة ومكانة مع الإسلام، أنعم الله تعالى عليه بالبركة ولد في أطهر بقعة من بقاع الأرض ومنذ نعومة أظافره يتشرف بأن يكون نبي الأمة مربيًا ومعتنيًا به، فكان معجزة من معاجز الرسول ﷺ ليس في فترة حياته المباركة، بل لتبقى هذه الشخصية المعجزة على مر التاريخ، القرآن الناطق وصوت الإسلام الصادق والمحارب الفذ في الذود عن الإسلام، وحفظ الرسول ﷺ، صفاته حريا أن تكتب بماء الذهب ومكانته لا تكفي بالتعبير عنها لو كان مداد البحر حبرا، لو اجتمع أهل الأرض كتابًا لن يستطيعوا أن يحصوا كراماته، كان له قصب السبق في كل ما تحتاجه البشرية لقيادتها إلى بر الأمان والحياة الكريمة للإنسانية أجمع.

ومما قاله رسولِ اللهِ ﷺ في علي : إنَّ اللهَ تَعالى عَهِدَ إلَيَّ عَهدا في عَلِيٍّ، فَقُلتُ: يا رَبِّ بَيِّنهُ لي. فَقالَ: اِسمَع، فَقُلتُ: سَمِعتُ. فَقالَ: إنَّ عَلِيّا رايَةُ الهُدى، وإمامُ أولِيائي، ونورُ مَن أطاعَني، وهُوَ الكَلِمَةُ الَّتي ألزَمتُهَا المُتَّقينَ، مَن أحَبَّهُ أحَبَّني، ومَن أبغَضَهُ أبغَضَني.

رزقه الله تعالى الحب في قلوب المؤمنين والبغض في قلوب المنافقين هذا ما قاله الرسول الصادق الأمين ﷺ وهذا باق إلى يوم الدين أتباعه هم أهل الصلاح والمدافعين عن قيم الدين.

رجلا بمكانة أمير المؤمنين يفجع به أهل بيته في عام 40 من الهجرة، ويفجع به الموالون له في أيام شهر الله الكريم مع دخول ليالي القدر، وعلى بعد أيام قليلة من عيد الفطر المبارك، ينتقل للرفيق الأعلى راضيا مرضيًا في يوم عم الحزن، وكثر البكاء في ختام مسيرة مشرفة عامرة بالإنجازات مقدمًا مثال حي للإسلام حيث قال كلمته الصادقة الوعد قبل استشهاده ”إنها الليلة التي وعدت فيها“ وقد كان الرسول ﷺ يسأل الإمام علي عن يوم شهادته ”يا علي كيف يكون صبرك في يوم استشهادك، فقال علي ليس هذا موطن الصبر، ولكن من بواطن البشرى والشكر“، تجسد هذا اليقين والبشرى الخاتمة المشرفة حيث قال حين ضربه أشقى الأشقياء ”فزت ورب الكعبة“ لقد فاز فوزا عظيم لم يفز مخلوق كما فاز مولى الموحدين وإمام المتقين، أمثاله لا يموتون على الفراش شهدت له سوح القتال لم تسقط له راية، وهزم صناديد وشجعان المشركين والمنافقين وختامه مسك شهادة في محراب الصلاة، شهادته ما هي إلا تتويج لمواقفه الثابتة التي مرت على حياته بعد انتقال الرسول ﷺ للرفيق الأعلى، أكمل المسيرة صابرا محتسبًا ثابتا في وجه الحروب المفتعلة التي شنت عليه وكثير من المؤمرات والدسائس والفتن، فكان لها سدا منيعًا أن تنال مبتغاها، أتم كمال الدين وحافظ على استمرار الإسلام كان فيها النبأ العظيم، لم يستطيعوا مقارعة حجته ولا القضاء على مشروعه، فظهر المنافقون على حقيقتهم كما قال الرسول ﷺ يعرف المنافق ببغضه لعلي ، أما المحبون في يوم وفاته يعيشون اليتم، ويعتصر قلوبهم الألم، عيونهم باكية أفئدتهم دامية، من عرفوه عن قرب كان الأب الحاني والأخ المخلص والقائد الفذ، الإيمان كله كما قال عنه الرسول ﷺ حين برز الإمام أمير المؤمنين لمواجهة بطل من أبطال المشركين، حين قال الرسول المصطفى ﷺ ”خرج الإيمان كله للكفر كله“.

في لحظة استشهاده كان الصوت من السماء سمع في أرجاء الكوفة.

”اصطفقت أبواب الجامع، وضجت الملائكة في السماء وهبت ريح عاصفة سوداء مظلمة، ونادى جبرائيل بين السماء والأرض: تهدمت والله أركان الهدى، وانطمست والله نجوم السماء وأعلام التقى، وانفصمت والله العروة الوثقى، قتل ابن عم المصطفى، قتل الوصي المجتبى، قتل علي المرتضى، قتل سيد الأوصياء، قتله أشقى الأشقياء“.

سلام الله عليك يا أمير المؤمنين أقبلت للدنيا طاهرًا، وعشت حياتك مجاهدًا مدافعًا عن الحق واستشهد فائزا، ربح الدنيا والأخرى، وخسر أعداءه الدنيا والآخرة، هنيئًا لمن تمسك بسفينة النجاة الصراط المستقيم، العيون بعدك عبرى والصدور حرّى والحزن سيبقى، يتامى من بعدك محبيك عهد منهم سائرون على خطاك ما بقي الزمان والمكان فسلامًا عليك إمام الأمة يوم ولدت وسلامًا عليك يوم استشهدت رزقنا الله تعالى في الدنيا زيارتك وفي الآخرة شفاعتك إنه مجيب الدعاء.